إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 1 أكتوبر 2010

كتاب آباء وأجداد النبي الساجدون الشيخ والمفكر الاسلامي محمد حسني البيومي – الباب الثاني أهل الفترة هم أهل التوحيد والإيمان مصطلح أهل الفترة :

كتاب آباء وأجداد النبي الساجدون الشيخ والمفكر الاسلامي محمد حسني البيومي ــ الباب الثاني


– الباب الثاني

أهل الفترة هم أهل التوحيد والإيمان

مصطلح أهل الفترة :

[ أهل الفترة : الناس الذي أوجدهم الله تعالى من بعد عيسى عليه السلام إلى مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وماتوا قبل البعثة . between two prophets ) Interval ] (1)

[ بيان : لعل ذكر أهل الفترة على سبيل التنظير ، أو المراد به قوم أدركوا زمان رسالته صلى الله عليه وآله وماتوا قبل الوصول إليه وإتمام الحجة عليهم وإن كان بعيد ] (2)

لا تعذب أهل الفترة :

[ الفترة وأجيب أن هذا خبر واحد لا يعارض به القطع ويقصر التعذيب على المنصوص عليه ونحوه كصاحب المجن وأن من بلغته الدعوة ليس بأهل فترة بل أهلها الأمم الكائنة بين الرسل الذين لم يرسل إليهم الأول ولا أدركوا الثاني كالأعراب الذين لم يرسل لهم عيسى ولا أدركوا محمدا . ( حم ق ] 0 (3)

[ قيل : يعني أهل الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فكانوا كأنهم في غفلة عما لزمهم من حق نعم الله ، وما خلقهم له من العبادة ، عن ابن عباس

( لعلهم يهتدون ) أي : ليهتدوا .] (4)

وقد ذكر [ أبو الحسن في كتاب الولاء :

[ اصطلاحهم أن الجاهلية أهل الفترة الذين لا كتاب لهم ، وأما أهل الكتاب قبل الإسلام فلا يقال لهم جاهلية ، والحاصل أن من قبل الإسلام إن لم يكونوا أهل كتاب فهم جاهلية باتفاق التوضيح وأبي الحسن ، وإن كان لهم كتاب كاليهود والنصارى فيقال لهم جاهلية على كلام التوضيح لا على كلام أبي الحسن ، وعلى كل حال دفنهم ركاز ، فلو قال المصنف وهو دفن كافر غير ذمي لكان أحسن لشموله من قبل الإسلام ومن بعده من كل كافر غير ذمي كتابيا أو غيره بدليل قوله الآتي ودفن ] (5)

[ ولا يخفى أن عبد المطلب من أهل الفترة وتقدم الكلام عليهم والله أعلم = باب ذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ]

(6)

[ في كلام العلامة ابن حجر الهيتمي حيث ذكر أن الحق الواضح الذي لا غبار عليه أن أهل الفترة جميعهم ناجون وهم من لم يرسل لهم رسول يكلفهم بالإيمان بالله عز وجل فالعرب حتى في زمن أنبياء بني إسرائيل أهل فترة لأن تلك الرسل لم يؤمروا بدعايتهم إلى الله تعالى وتعليمهم الإيمان قال نعم من ورد فيه حديث صحيح من أهل الفترة بأنه من أهل النار فإن أمكن تأويله فذاك وإلا لزمنا أن نؤمن بهذا الفرد بخصوصه قال وأما قول الفخر الرازي لم تزل دعوة الرسل إلى التوحيد معلومة فجوابه أن كل رسول إنما أرسل إلى قوم مخصوصين فمن لم يرسل إليه لا يعذب وجواب ما صح من تعذيب أهل الفترة أنها أخبار آحاد فلا تعارض القطع أو يقصر التعذيب على ذلك الفرد بخصوصه أي حيث لا يقبل التأويل كما تقدم هذا كلامه هذا وقد جاء أنهم أي أهل الفترة يمتحنون يوم القيامة ] (7)

[ كلام العلامة ابن حجر الهيتمي حيث ذكر أن الحق الواضح الذي لا غبار عليه أن أهل الفترة جميعهم ناجون وهم من لم يرسل لهم رسول يكلفهم بالإيمان بالله عز وجل فالعرب حتى في زمن أنبياء بني إسرائيل أهل فترة لأن تلك الرسل لم يؤمروا بدعايتهم إلى الله تعالى وتعليمهم الإيمان قال نعم من ورد فيه حديث صحيح من أهل الفترة بأنه من أهل النار فإن أمكن تأويله فذاك وإلا لزمنا أن نؤمن بهذا الفرد بخصوصه قال وأما قول الفخر الرازي لم تزل دعوة الرسل إلى التوحيد معلومة فجوابه أن كل رسول إنما أرسل إلى قوم مخصوصين فمن لم يرسل إليه لا يعذب وجواب ما صح من تعذيب أهل الفترة أنها أخبار آحاد فلا تعارض القطع أو يقصر التعذيب على ذلك الفرد بخصوصه أي حيث لا يقبل التأويل كما تقدم هذا كلامه هذا وقد جاء أنهم أي أهل الفترة يمتحنون يوم القيامة ] (8)

حكم أهل الفترة

: نجاتهم وعدم تكليفهم أهل الفترة هم الذين لم يبعث فيهم نبي قبل مبعث سيدنا محمد صل الله عليه وآله وسلم وأهل الحجاز - أي مكة والمدينة وما حولها - خاصة من أهل الفترة . قال الإمام الراغب الأصفهاني في ( المفردات ) ص ( 371 ) في مادة فتر : ( الفتور سكون بعد حدة ، ولين بعد شدة ، وضعف بعد قوة ، قال تعالى : * ( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل ) * أي سكون حال عن مجئ رسول الله ص ، وقوله ( لا يفترون ) أي : لا يسكنون عن نشاطهم في العبادة ) . وقال المجد في ( القاموس المحيط ) : ( الفترة ما بين كل نبيين ) . وروى البخاري ( 7 / 277 ) عن سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : ( فترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم ستمائة سنة ) . وأهل الفترة ناجون لأنهم غير مكلفين بشريعة نبي لقوله تعالى :

* ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) * الإسراء : 15 ، ولقوله تعالى * ( ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ) * الإنعام : 131

يؤخذ من هذه الآيات أن كل من لم تصله دعوة نبي فهو ناج في الجنة وليس عليه عذاب في الآخرة ، وهذه قاعدة عظيمة ثابتة غير قابلة للنقاش ، فإن ورد ما يخالفها من الآحاد أو من ظني| لدلالات رددنا ما أفاده ولم نقبله لأن معناها قطعي مأخوذ من القرآن الكريم . إذا عرفت ذلك فاعلم أن القوم العرب الذين بعث فيهم صلى الله عليه وآله وسلم لم يأتهم رسول قبله صلى الله عليه وآله وسلم لصريح قوله تعالى * ( لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون ) * وقوله تعالى * ( وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير ) * ( 40 ) سبأ : 44 ، وسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يبعث إليهم إنما بعث إلى أهل العراق ، وقدم مكة أياما يسيرة لبناء الكعبة وزيارة ولده إسماعيل عليهما الصلاة والسلام ، وسيدنا إسماعيل ابنه عليه السلام بعث للجرهميين الذين خرجوا من مكة وأفناهم الله تعالى ولم يبعث في القرشيين ولا إليهم ! ! كما صرح بذلك القرآن وعلينا أن نؤمن بذلك ( 41 ) ! ! [ تنبيه مهم جدا ] : إذا علمت ذلك عرفت أن والديه صلى الله عليه وآله وسلم وأجداده ناجون لأنهم من أهل الفترة وهذا مقطوع به ، وما ورد من أحاديث الآحاد مما يخالف ذلك فلا يجوز الأخذ بها إطلاقا ، لأن العاقل لا يمكن أن يترك نصا مقطوعا به في القرآن الكريم ويأخذ بحديث آحاد خالفه كما قرر ذلك العلماء في علم ال يخشى على إيمانه وإسلامه إن عاند ! ! ويعذر من جهل أو لم يعلم ! !|أصول ومصطلح الحديث وقواعده وغير ذلك ! ! ومن أبي ذلك فهو مكابر معاند ] (8 مكرر )

[( فصل ) وأما مرتبة العالم الذي بين عيسى ع ومحمد صلى الله عليه وسلم وهم أهل الفترة فهم على مراتب مختلفة بحسب ما يتجلى لهم من الأسماء عن علم منهم بذلك وعن غير علم فمنهم من وحد الله بما تجلى لقلبه عند فكره وهو صاحب الدليل فهو على نور من ربه ممتزج بكون من أجل فكره فهذا يبعث أمة وحده كقس بن ساعدة وأمثاله فإنه ذكر في خطبته ما يدل على ذلك فإنه ذكر المخلوقات واعتباره فيها وهذا هو الفكر ومنهم من وحد الله بنور وجده في قلبه لا يقدر على دفعه من غير فكرة ولا روية ولا نظر ولا استدلال فهم على نور من ربهم خالص غير ممتزج بكون فهؤلاء يحشرون أحفياء أبرياء ومنهم من ألقى في نفسه وأطلع من كشفه لشدة نوره وصفاء سره لخلوص يقينه على منزلة محمد صلى الله عليه وسلم وسيادته وعموم رسالته باطنا من زمان آدم إلى وقت هذا المكاشف فآمن به في عالم الغيب على شهادة منه وبينة من ربه وهو قوله تعالى أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه يشهد له في قلبه بصدق ما كوشف به فهذا يحشر يوم القيامة في ضنائن خلقه وفي باطنية محمد صلى الله عليه وسلم ومنهم من تبع ملة حق ممن تقدمه كمن تهود أو تنصر أو اتبع ملة إبراهيم أو من كان من الأنبياء لما علم واعلم أنهم رسل من عند الله يدعون إلى الحق لطائفة مخصوصة ] (9)

إيمان آباء النبي ( صلى الله عليه وآله الطاهرين )

إلى آدم ( عليه السلام ) :

في التاريخ الإسلامي له دالته المعبرة عن الفترة المتقدمة لظهور النبوة .. والتي غابت عنها النبوات من حوالي ستمائة سنة من النبوة ..، وهو بكل أسف مصطلح قد أثير حوله الجدل بطريق مثيرة للتساؤلات في كتب التاريخ الإسلامي وكتب السير والتفسير السائدة ، بما يدعو الى الدعوة الى مراجعة حول المنهجية السائدة عقب حركة الملاحقة لآل البيت والعترة المطهرة وهم آل الله وأهل القرآن .. وأضحى العمل التفسيري يغطيه مساحة من الجدل وإثارة الروح المذهبية والفئوية والتي تشادد بها الحكام وأحوالهم في المسائل القرآنية المنزلة لا لشئ سوى جر العمل التفسيري لصالحهم !! وكان موضوع الحديث حول [ أهل الفترة ] من أزمات العمل التفسيري التي أصبحت مادة للفكر التكفيري وفكر الخوارج ولولا تصدي مجموعة من أهل العلم لهذا التيار لكان فكر الخوارج وتوجهات الحكام هو عنوان التفسير القرآني العام .. ولعا هذا التباين ساهم في جعل الاختلاف أهم روافد العمل التفسيري .. وقلما وردت سورة من القرآن لم يثار فيها مصطلح [ اختلف العلماء !!] مما أعاش جماهير المسلمين في دوامات الاختلاف والتيارات المضادة .. وفي تناولنا لهذا الموضوع الخطير والتاريخي وهوا لذي وضع حوله ظلامة سوداء على خلفية العداء الذي وجهه حكام بني أميه والعباسيين ضد آل البيت وأنصارهم عليهم السلام ..

ولهذا نؤكد من جديد أن إثارة موضوع الإيمان في زمن ما سمي " أهل الفترة " انما أريد في سياقه المعقد ليشمل المفسرون أجداد النبي عليهم السلام وليشطبوا بظلمهم الممنهج .. سيرتهم المجيدة وتاريخهم الدفاعي الباسل عن جدار الإسلام والعقيدة والرسالة ، ويجعلوها خارج ثقافة الأجيال وبالتالي يحوم الشك على مقام النبوة العلية والمقام الهاشمي الخالد .. وهذه المحاولة المنهجية لوجهتنا انما أريد لها ورغم تواضعها أمام جهد السابقين .. تصحيح الوجهة التاريخية تقدما نحو إعلاء الخط المحمدي في العالم ، وحشد الأمة نحو الإستعلاء بخط خليفة الله المهدي عليه السلام .. وجعل ثقافة آل البيت المطهرين البديلة ..هي على هامة المؤمنين ، بعد أن شطب الخونة التاريخيين ملامحها النورانية وأر كسوا الأمة في حالة الغرق والاختلاف الأزموي لصالح الطغاة . ولهذا أدخلوا العلمانية اللادينية بديلا عن العقيدة الثورية والانحلال مقام الجهاد ، و تكريس ثقافة الجبن والخذلان بديلا عن ثقافة الثورة .. وبالتالي استطاع هؤلاء المشتعلين بثقافة الأزمة المنحطة أن يدخلوا عبر القرون الماضية ثقافة التبعية مكان ثقافة المقاومة .. وثقافة التبعية للحكام في مقام ثقافة التعبئة الثورية المعارضة.. وساد المنهج الدموي عبر التاريخ ضد أنصار آل البيت ومحبيهم .. وأمام التوجه الإقصائي الممنهج ساد الفكر الإرجائي المعاصر " المرجئة " والفكر التكفيري الخارجي " الخوارج المعاصرين " .. صورة متطابقة وحسب الأصول المرسومة عبرا لقرون الماضية .. لهذا يجئ فكر الثورة الروحية المتصاعدة على أبواب الشام ليؤكد أن التاريخ التفسيري المزيف و الذي قادة الطغاة التاريخيين لن يعمر طويلا و أن الأمة ومجاهديها تستشرف مرحلة جديدة و تقوم على أسس جديدة حول مائدة خليفة الله الأعظم عليه السلام . وأن ثقافة خليفة الله تعالى هي الرد العادل والمنهجي لخلق ثقافة القسط والعدل بعيدا عن مناهج الظالمين عبر القرون المتواصلة . وان هذا الفكر الإلهائي للجماهير إنما يكشف عن مخطط متشابك مع الأيادي الماسونية القديمة .. وكأن بنو قريظة وقينقاع يملون حربا صليبية جديدة ضد الخيار الهاشمي والمحمدي بوجه خاص ..

( ذهبت الرافضة إلى أن آباء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كانوا مؤمنين ) ( 1 ) أما غير الامامية ، فذهب أكثرهم إلى كفر والدي النبي وغيرهما من آبائه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وذهب بعضهم إلى إيمانهم . وممن صرح بإيمان عبد المطلب ، وغيره من آبائه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، المسعودي ، واليعقوبي ، وهو ظاهر كلام الماوردي ، والرازي في كتابه اسرار التنزيل ، والسنوسي ، والتلمساني محشي الشفاء ، والسيوطي ، وقد ألف هذا الأخير عدة رسائل لاثبات ذلك ( 2 ) . (10)

وفي المقابل قد الف بعضهم رسائل لاثبات كفرهم ، مثل إبراهيم الحلبي ، وعلى القاري الذي فصل ذلك في شرح الفقه الأكبر ، واتهموا السيوطي بأنه متساهل ، لا عبرة بكلامه ، ما لم يوافقه كلام الأئمة النقاد . وسيأتي في آخر هذا البحث إن شاء الله تعالى ما يشير إلى السبب في الاصرار على كفر آباء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأعمامه . بعض الأدلة على إيمانهم :

وقد قال الامامية :

إن ثمة روايات كثيرة تدل على إيمان آبائه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بالإضافة إلى إجماع الطائفة المحقة ، وهذا الإجماع وإن كان معلوم المستند ، فلا بد من النظر إلى مستنده نفسه ، ومستند ذلك هو الإخبار . والإحاطة بجميعها متعسر ، إن لم يكن متعذرا ( 1] ( 11 )

وقد استدلوا على ذلك أيضا :

1 - بقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :

( لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات ، حتى أخرجني في عالمكم ، ولم يدنسني بدنس الجاهلية ) .

( 2 ) ولو كان في آبائه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كافر ، لم يصفهم كلهم بالطهارة ، مع قوله تعالى : ( إنما المشركون نجس ) .

( 3 ) إلا أن يكون المقصود هو الطهارة من العهر ، أو من الأرجاس والرذائل ، وهو لا يلازم الكفر . 2 - واستدلوا على ذلك أيضا بقوله تعالى :

( الذي يراك حين تقوم ، وتقلبك في الساجدين ) ( 1 ) . ( 12 )

لما روي عن ابن عباس ، وأبي جعفر ، وأبي عبد الله ( عليهما السلام ) : انه

( صلى الله عليه وآله وسلم )

لم يزل ينقل من صلب نبي إلى نبي . ويمكن المناقشة في ذلك أيضا : بأن الآية تقول : إنه تعالى يراه حال عبادته وسجوده ، فهو ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في جملة الساجدين الموجودين فعلا ، وغيرهم . لا أنه يراه وهو يتقلب في أصلاب الأنبياء . ولو ثبتت الرواية ، فيمكن القول بأنها لا تدل على استغراق ذلك لجميع آبائه ، فلعله يرى تقلبه في أصلاب الأنبياء من آبائه ، كما يرى تقلبه في أصلاب غير الأنبياء .

. ولو ثبتت الرواية ، فيمكن القول بأنها لا تدل على استغراق ذلك لجميع آبائه ، فلعله يرى تقلبه في أصلاب الأنبياء من آبائه ، كما يرى تقلبه في أصلاب غير الأنبياء . هذا ، عدا عن أن من الصعب جدا اثبات نبوة جميع آبائه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى آدم ( عليه السلام ) . وأما أدلة غير الامامية فقد استقصاها السيوطي في رسائله المشار إليها ، ولكن استعراضها والاستقصاء فيها نقضا وإبراما يحتاج إلى وقت طويل ، وتأليف مستقل . 3 - ويمكن أن يستدل على ايمان آبائه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى إبراهيم بقوله تعالى ، حكاية لقول إبراهيم وإسماعيل : ( واجعلنا مسلمين لك ، ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) ( 2 ) ، مع قوله تعالى : ( وجعلها كلمة باقية - في عقبه ( 1 ) ) ، أي في عقب إبراهيم ، فيدل على أنه لا بد أن تبقى كلمة الله في ذرية إبراهيم ، ولا يزال ناس منهم على الفطرة يعبدون الله تعالى حتى تقوم الساعة . ولعل ذلك استجابة منه تعالى لدعاء إبراهيم الذي قال : ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ( 2 ) ) وقوله : ( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ( 3 ) ) .| ) . وواضح أنه : لو أنه تعالى قد استجاب لإبراهيم في جميع ذريته لما كان أبو لهب من أعظم المشركين ، وأشدهم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . وهذا ما يفسر الإتيان بمن التبعيضية في قوله : ( ومن ذ ريتي ) .

استغفار إبراهيم ( ع ) لأبيه :

وقد اعترض على القائلين بإيمان جميع آبائه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى آدم ، بأن القرآن الكريم ينص على كفر آزر أبي إبراهيم ، قال تعالى : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه ، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ، إن إبراهيم لاواه حليم ) : التوبة 114( 4 ) .

وأجابوا : أولا : إن ابن حجر يدعي إجماع المؤرخين على أن آزر لم يكن أبا لإبراهيم ، وإنما كان عمه ، أو جده لامه ، على اختلاف النقل ( 5 ) (13)

واسم أبيه الحقيقي : تارخ ( 1 ) ،

..وإنما أطلق عليه لفظ الأب توسعا ، وتجوزا وهذا كقوله تعالى : ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت ، إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي ؟ قالوا : نعبد إلهك واله آبائك : البقرة 133 .

ثم عد فيهم إسماعيل ، وليس من آبائه ، ولكنه عمه . وقد ذكر بعض العلماء : أن اسم آزر لم يذكر في القرآن إلا مرة واحدة في أول الأمر ، ثم لم يتكرر اسمه في غير ذلك المورد ، تنبيها على أن|المراد بالأب آزر . وثانيا : إن استغفار إبراهيم لأبيه قد كان في أول عهده وفي شبابه ، مع أننا نجد أن إبراهيم حين شيخوخته ، وبعد أن رزق أولادا ، وبلغ من الكبر عتيا يستغفر لوالديه ، قال تعالى حكاية عنه : ( ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين ، يوم يقوم الحساب ) : إبراهيم 41 .

قال هذا بعد أن وهب الله له على الكبر إسماعيل وإسحاق حسب نص الآيات الشريفة ( 14 )

مع أن الآية تفيد : أن الاستغفار الأول قد تبعه التبرؤ مباشرة . ولكن من الواضح : أن بين الوالد والأب فرقا ، فإن الأب يطلق على المربي وعلى العم والجد ، أما ( الوالد ) فإنما يخص الوالد بلا واسطة . فالاستغفار الثاني إنما كان للوالد ، أما الأول فكان للأب . وثالثا : إنه يمكن أن يكون ذلك الذي استغفر له ، وتبرأ منه ، قد عاد إلى الإيمان ، فعاد هو إلى الاستغفار له . هذا ، ولكن بعض الأعلام يرى : أن إجماع المؤرخين على أن أبا إبراهيم ليس آزر منشؤه التوراة ، التي تذكر ان اسم أبي إبراهيم هو : ( تارخ ) . ثم ذكر ما استظهرناه نحن أيضا من أن من الممكن أن يكون نفس والد إبراهيم قد كان مشركا يجادله في الايمان بالله ، فوعده بالاستغفار له ، ووفى بوعده ، ثم عاد فآمن بعد ذلك فكان يدعو له بعد ذلك أيضا حتى في أواخره و كما أسلفنا . وهذا الاحتمال وإن كان واردا حيث لا ملزم لحمل الأب في القرآن ، والوالد على المجاز . إلا أنه ينافي الاجماع والاخبار ، فلا محيص عن الالتزام بما ذكرناه آنفا من أن المراد بالأب هو العم والمربي ، لا الوالد على الحقيقة . مع عدم قبولنا منه قوله : إن استعمال الأب في العم المربي ، يكون مجازا . إن أبي وأباك في النار : روى مسلم وغيره : أن رجلا سأل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أين أبي ؟ فقال : في النار . فلما قفا دعاه ، وقال له : إن أبي وأباك في النار . ونقول : إن هذا لا يصح . أولا : لما تقدم . مما يدل على إيمان جميع آبائه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . وثانيا : لقد روى هذه الرواية حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس . مع أننا نجد : أن معمرا قد روى نفس هذا الحديث عن ثابت عن أنس ، ولكن بنحو آخر لا يدل على كفر أبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقد قال له ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( حيثما - أو إذا - مررت بقبر كافر فبشره بالنار .

. وقد نص علماء الجرح والتعديل - من أصحاب هؤلاء الرواة - على أن معمرا أثبت من حماد . وأن الناس قد تكلموا في حفظ حماد ، ووقع في أحاديثه مناكير ، دسها ربيعة في كتبه ، وكان حماد لا يحفظ ، فحدث بها ، فوهم فيها. وثالثا : لقد رويت هذه الرواية بسند صحيح على شرط الشيخين عن سعد بن أبي وقاص ، وجاء فيها : حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار . وكذا أيضا روي عن الزهري ، بسند صحيح أيضا .. ورابعا : كيف يكون أبواه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأبو طالب ، وعبد المطلب ، وغيرهم ، في النار حسب إصرار هؤلاء ، ثم يكون ورقة بن نوفل ، الذي أدرك البعثة ، ولم يسلم ، في الجنة عليه ثياب السندس . وكذلك فان زيد بن عمرو بن نفيل - ابن عم عمر بن الخطاب - في الجنة يسحب ذيولا ، مع أنه مثل ورقة الأنف الذكر . كما أن أمية بن أبي الصلت كاد يسلم في شعره ، وهكذا ؟ ! . وكيف تطرح كل تلك الأحاديث والتواريخ المتضافرة ، المتواترة الدالة على إيمان أولئك ، ويتشبث لايمان هؤلاء ببيت شعر ، أو بكلمة عابرة ، لم يتبعها إلا التصميم على النهج الأول ؟ ! . فعم ، وكيف لا يكون لهؤلاء نجاة ويكونون في النار ، ثم يدخل المشركون الذين|

ثم يدخل المشركون الذين عاشوا في زمن الفترة الجنة ؟ ! فقد ذكر الحلبي ودحلان وغيرهما : أن أهل الفترة لا عذاب عليهم إلا على قول ضعيف ، مبني على وجوب الايمان والتوحيد بالعقل ، والذي عليه أكثر أهل السنة والجماعة : أنه لا يجب ذلك إلا بارسال الرسل . وأطبق الأشاعرة في الأصول ، والشافعية في الفقه على أن من مات ولم تبلغه الدعوة مات ناجيا ، ويدخل الجنة ، فعليه أهل الفترة من العرب لا تعذيب عليهم ، وإن غيروا ، أو بدلوا ، أو عبدوا الأصنام ، والأحاديث الواردة بتعذيب من ذكر مؤولة . وبهذا ، وبالأحاديث المتواترة يرد ما زعموه من أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد منع من الاستغفار لامه رضوان الله تعالى عليها ، وإن كنا نحن نعتقد أن أهل الفترة يعذبون إذا قامت عليهم الحجة العقلية أو النقلية إلا القاصرين منهم ، فان التوحيد يثبت بالعقل لا بإرسال الرسل ، وإلا ، لم يمكن إثبات شئ على الاطلاق ، لا التوحيد ، ولا النبوة ، ولا الدين من الأساس .|

. غريبة : ومن غريب الأمر هنا : أن نجد البعض يوجه رواية : إن أبي وأباك في النار ، بأن المقصود هو عمه أبو طالب ، لان العرب تسمي العم أبا ، وقد كان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ينسب بالبنوة إلى أبي طالب ( 1 ) . ولا ندري لماذا ترك عمه أبا لهب لعنه الله تعالى . فان كفره مسلم ومقطوع به ، وتمسك بالمدافع عنه ، والمناصح له ، والباذل مهجته في سبيل نبيه ودينه - وسوف يأتي إن شاء الله أن إيمان أبي طالب هو المسلم والمقطوع به . بل هو كالنار على المنار ، وكالشمس في رابعة النهار . ويكفي أن نذكر أن العظيم آبادي قد قال هنا : وهذا أيضا كلام ضعيف باطل . (15)

ملاحظة :

ويلاحظ هنا أن في عبارة الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المتقدمة في حديث : ( حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار ) تورية لطيفة ، حيث إن عبارته هذه قد خففت من تأثر السائل . وهي في نفس الوقت صادقة المضمون ، ولا تدل على كفر أبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، إذ أن من الطبيعي أن الكافر مبشر بالنار . وأما أن أباه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كافر أو لا ، فذلك مسكوت عنه . والغريب هنا : أنه قد روي أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد قال ذلك عن أمه رحمها الله ، فقد قال لرجلين : أمي وأمكما في النار . ونحن لا نزيد على أن نذكر هنا أن الذهبي قد حلف على عدم صحة هذا الحديث .

يعني حديث كون أمه وأمهما في النار ( 16 )

وأخيرا : فإننا نكاد نصدق مقولة : أن السبب في تكفير آباء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأعمامه هو مشاركة علي عليه السلام له فيهم ، أو أنهم يريدون أن لا يكون آباء الخلفاء من بني أمية ومن غيرهم ، وآباء رجالات الحكم وأعوانه كفارا ، ويكون آباء النبي وأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنين ، فلا بد من سلب هذه الفضيلة عنه صلى الله عليه وآله وسلم ليستوي هو وغيره في هذا الأمر .

البحث الثاني :

بماذا كان يدين النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة : إن إيمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتوحيده قبل بعثته يعتبر من المسلمات ، ولكن يبقى :

أنهم قد اختلفوا في أنه صلى الله عليه وآله وسلم ) هل كان متعبدا بشرع أحد من الأنبياء قبله أولا . فهل هو متعبد بشرع نوح ، أو إبراهيم ، أو عيسى ، أو بما ثبت أنه شرع ، أو لم يكن متعبدا بشرع أحد ، ذهب إلى كل فريق .

وتوقف عبد الجبار ، والغزالي ، والسيد المرتضى . وذهب المجلسي إلى أنه :

( صلى الله عليه وآله وسلم ) حسبما صرحت به الروايات : كان قبل البعثة ، مذ أكمل الله عقله في بدو سنه نبيا ، مؤيدا بروح القدس ، يكلمه الملك ، وليسمع الصوت ، ويرى في المنام ، ثم بعد أربعين سنة صار رسولا ، وكلمه الملك معاينة ، ونزل عليه القرآن ، وأمر بالتبليغ . وقال المجلسي :

إن ذلك ظهر له من الآثار المعتبرة ، والأخبار المستفيضة . . وقد استدلوا على نبوته ( صلى الله عليه وآله وسلم منذ صغره بأن الله تعالى قد قال حكاية عن عيسى :

( إني عبد الله آتاني الكتاب ، وجعلني نبيا ، وجعلني مباركا أينما كنت ، وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ) .

. ويقول تعالى عن يحيى عليه السلام : ( وآتيناه الحكم صبيا ) فإذا أضفنا إلى ذلك : أنه قد ورد في أخبار كثيرة بعضها صحيح ، كما في رواية يزيد الكناسي في الكافي : إن الله لم يعط نبيا فضيلة ، ولا كرامة ، ولا معجزة ، إلا أعطاها نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .

فان النتيجة تكون : هي أن الله تعالى قد أعطى نبينا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم الحكم والنبوة منذ صغره ، ثم أرسله للناس كافة ، حينما بلغ الأربعين من عمره . . . وقد أيد المجلسي هذا الدليل بوجوه كثيرة . ويمكن المناقشة في ذلك بأن إعطاءه صلى الله عليه وآله وسلم فضائل الأنبياء ومعجزاتهم الواردة في الرواية لا يستلزم ما يراد إثباته هنا ، فان بعض معجزاتهم لم يكن ثمة حاجة إليها في زمانه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . نعم هي واقعة تحت اختياره ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولو احتاجها لاستفاد منها جميعا . وأما الفضائل فقد كان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو الجامع لها على النحو الأكمل والاشمل في جميعها ، حتى أنه إذا كان أيوب قد امتاز على غيره من الأنبياء بالصبر ، فان صبر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم كان أكمل من صبر أيوب ، وهكذا بالنسبة لسائر الأنبياء ، وامتيازاتهم في الفضائل ، ومكارم الأخلاق .

وأما الكرامات ، فان الظاهر هو أن المقصود بها نفس المعجزات ، فان الله تعالى قد أكرمه بها . ومع الغض عن كل ذلك ، فإنه لابد من ثبوت تلك الأخبار ، ليمكن الحكم بمضمونها ، بعد تسليم دلالتها بشكل قطعي ونهائي . نعم ثمة روايات كثيرة تلمح وتصرح بنبوته قبل بعثته ، أشار إليها المجلسي كما قلنا ، وأشار العلامة الأميني أيضا إلى حديث : إنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان نبيا وآدم بين الروح والجسد ، ورواه عن العديد من المصادر من غير الشيعة .

. ولكن لا يمكن الحكم بمضمون هذه الروايات إلا بعد التأكد من أسانيدها ودلالتها ، وثبوت ذلك بشكل قطعي ، حيث إنه يراد إثبات أمر اعتقادي بها ، والمطلوب في الاعتقادات هو القطع ، ولا يكفي ما دونه . وبعد كل ما تقدم ، فان ما نستطيع نحن الجزم به ، هو انه صلى الله عليه وآله وسلم كان مؤمنا موحدا ، يعبد الله ، ويلتزم بما ثبت له أنه شرع الله نعالى مما هو من دين الحنيفية شريعة إبراهيم عليه السلام ، وبما يؤدي إليه عقله الفطري السليم ، وأنه كان مؤيدا ومسددا ، وأنه كان أفضل الخلق وأكملهم خلقا ، وخلقا وعقلا . وكان الملك يعلمه ، ويدله على محاسن الأخلاق . كما أننا نجدهم ينقلون عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : انه كان يلتزم بأمور لا تعرف إلا من قبل الشرع وكان لا يأكل الميتة ، ويلتزم بالتسمية والتحميد ، إلى غير ذلك مما يجده المتتبع لسيرته صلوات الله عليه .

ملة أبيكم إبراهيم :

بل إننا نقول : إن هناك آيات ودلائل تشير إلى أن إبراهيم الخليل عليه السلام ونبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، هما اللذان كان لديهما شريعة عالمية ، وقد بعثا إلى الناس كافة .

أما موسى وعيسى عليهما السلام فإنما بعثا إلى بني إسرائيل . وقد حرصت الآيات القرآنية العديدة على ربط هذه الأمة بإبراهيم عليه السلام فلاحظ قوله تعالى :

( وما جعل عليكم في الدين من حرج ، ملة أبيكم إبراهيم ، هو سماكم المسلمين من قبل ) . وقال تعالى : ( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن ، واتبع ملة إبراهيم حنيفا ) . وقال سبحانه :

( قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا ) .

وقال جل وعلا :

( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه ، وهذا النبي ، والذين آمنوا )

. وقال تعالى :

( وقالوا : كونوا هودا أو نصارى تهتدوا . قل : بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) ) . ثم نجد القرآن يصرح أيضا أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم شخصيا كان مأمورا أيضا بإتباع ملة إبراهيم عليه السلام ، فقد قال سبحانه :

( ثم أوحينا إليك : أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ، وما كان من المشركين ) ( 3 ) .

وقال في موضع آخر :

( قل : إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ، دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين )

. وهذا ، وإن كان ظاهره : أنه صلى الله عليه وآله قد أمر بذلك بعد البعثة وبعد نزول الوحي عليه ، لكنه يثبت أيضا : أنه لا مانع من تعبده ( ص ) قبل بعثته بما ثبت له أنه من دين الحنيفية ، ومن شرع إبراهيم عليه السلام ، وليس في ذلك أية غضاضة ، ولا يلزم من ذلك أن يكون نبي الله إبراهيم أفضل من نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، فإن التفاضل إنما هو في ما هو أبعد من ذلك . هذا كله ، لو لم نقتنع بالأدلة الدالة على نبوته ( ص ) من صغره صلى الله عليه وآله وسلم

. ووجدك ضالا فهدي : وبعد ما تقدم نقول : إن قوله تعالى :

( ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ) وقوله سبحانه :

( ووجدك ضالا فهدى ) لا يدل على وجود ضلالة فعلية ولا على وجود جهل فعلي قبل النبوة . بل غاية ما يدل عليه هو أنه صلى الله عليه وآله وسلم لولا هداية الله له لكان ضالا ولولا تعليم الله له لكان جاهلا . أي لو أن الله أو كله إلى نفسه ، فإنه بما له من قدرات ذاتية وبغض النظر عن الألطاف الإلهية ، والعنايات الربانية ضال قطعا ، وجاهل بلا ريب . فهو من قبيل قولك : ما أنا في نفسي بفوق أن أخطئ لولا لطف الله وعصمته وتوفيقه ، لكن بعد أن كان لطف الله حاصلا من أول الأمر فإن العصمة تكون حاصلة بالضرورة من أول الأمر أيضا . أولوا العزم : وبعد ، فقد نجد في قوله تعالى حكاية عن آدم ( عليه السلام ) : ( لم نجد له عزما ) . وقوله :

( فاصبر . كما صبر أولوا العزم من الرسل ) . وغير ذلك من شواهد ودلائل ما يشجعنا على القول : بأن المراد من إطلاق هذه الصفة على بعض الأنبياء هو التأكيد على رسوخ وعمق درجة العصمة فيهم ، وقدرتهم الكبيرة على التحمل في مواجهة أعظم التحديات مع الطواغيت والجبارين ، وتحمل المسؤوليات الجسام ] (17)

وفي الرد التوصيفي للحالة الدينية لمن عاشوا في هذه الفترة ..

نقول وبالله التوفيق :

.. إن ماعليه أهل العلم والتقوى في الضبط والتاريخ أن جملة من عاشوا في هذه الفترة التي سبقت المبعث النبوي هم أهل الإيمان والفطرة وقد ماتوا ماعدا قلة قليلة على التوحيد الحنيفية الإبراهيمية السمحاء إلا من كان عابدا للأوثان ومنكرا للإلوهية فهو بإجماع أهل الدين ليس على الإيمان .. وأن من دواعي العدل الإلهي هو انتفاء الظلم عن الله تعالى وهو الذي يقول تعالى :

{مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }الإسراء15

{ {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } فاطر18

{إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }الزمر7

و في الحديث القدسي :

" ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي فاجعلوه بينكم محرما " ..

[ يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ] (18)

[روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ] خرجه مسلم في صحيحه و الترمذي وغيرهما وهو حديث عظيم .. ] (19)

وليس هناك أعظم شرا من تكفير المؤمنين والمسلمين لغاية الهوى وسوء المنقلب والتاريخ واظلام واقع الأمة وسياستها ..

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : [ الظلم ظلمات إلى يوم القيامة ] [وفي الصحيح [ إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة والخيبة كل الخيبة من لقي الله وهو به مشرك فإن الله تعالى يقول : إن الشرك لظلم عظيم ] وقوله : { ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما }

(20)

والظلم قتامة للأمة والعدل نور وبرهان وهو أساس الملك .. يقول تعالى :

[وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون (69)

قوله تعالى : { وأشرقت الأرض بنور ربها } إشراقها إضاءتها يقال : أشرقت الشمس إذا أضاءت وشرقت إذا طلعت ومعنى : ( بنور ربها ) بعدل ربها قاله الحسن وغيره وقال الضحاك : بحكم ربها والمعنى واحد أي أنارت وأضاءت بعدل الله وقضائه بالحق بين عباده والظلم ظلمات والعدل نور وقيل : إن الله يخلق نورا يوم القيامة يلبسه وجه الأرض فتشرق الأرض به وقال ابن عباس : النور المذكرو هاهنا ليس من نور الشمس والقمر بل هو نور يخلقه الله فيضيء به الأرض وروي أن الأرض يومئذ من فضة تشرق بنور الله تعالى حين بأتي لفصل القضاء والمعنى أنها أشرقت بنور خلقه الله تعالى فأضاف النور إليه على حد إضافة الملك إلى الملك وقيل : إنه اليوم الذي يقضي فيه بين خلقه لأن نهار لا ليل معه وقرأ ابن عباس وعبيد بن عمير :

( وأشرقت الأرض ) على ما لم يسم فاعله وهي قراءة على التفسير وقد ضل قوم هاهنا فتوهموا أن الله عزوجل من جنس النور والضياء لمحسوس وهو متعال عن مشابهة المحسوسات بل هو منور السموات والأرض فمنه كل نور خلقا وإنشاء وقال أبو جعفر النحاس : وقوله عز وجل : { وأشرقت الأرض بنور ربها } يبين هذا الحديث المرفوع من طرق كثيرة صحاح ]

والحديث الشريف فيه الربط الجدلي بين الظلم والواقع السياسي الاجتماعي المعاش ...

فكيف يكون من دواعي العدل الإلهي بالعذاب أو العقاب والحساب على من لم يبعث الله تعالى في علاه له رسولا .. وهو الذي يدعمه الدليل القرآني ونبي الرحمة الذي بعثه الله رءوفا رحيما ..

قال تعالى :

{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }التوبة128

وفي قوله تعالى :

{مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }الإسراء15

الحجة في بيان الدليل بعدم جواز العذاب بدون نزول المرسلين عليهم السلام .

يقول السيوطي رحمه الله :

[ وهذه الآية هي التي أطبقت أئمة أهل السنة على الاستدلال بها في أنه لا تعذيب قبل البعثة ووافق ذلك ابنة جرير الطبري وابن أب حاتم في تفسيرها ، وهذا عند جملة المفسرين أنهم ناجون من العذاب "

وإذا كان الحكم عاما في قريش وغيرهم من العرب وأهل الكتاب .. فكيف الحال بالهاشميين المخصوصين عليهم السلام بالنبوة والذين خصهم الله بمناط الاصطفاء .. وفي باب " الاصطفاء " من قراءتنا قد جمعنا العديد من المدلولات الحديثة التي تبين حالة الخصوصية الهاشمية وهي حاضنة النبوة ..؟؟ فكيف لمن يخرجونهم من الملة ويصفونهم بالكفر !! ومع بروز الأدلة الواضحة في القرآن والمسانيد الحديثية على عدم الإطلاق لحالة الكفر والحث على نهيها ..

ولهذا عبر العلامة الألوسي في روح المعاني عن قلقة بخشيته للكفر لمن يقولون بكفر أبوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .. ومع هذا التوجه الهام الذي أخذه السيوطي في كتابه : الحاوي للفتاوى حين أفرد عنوانا مهما في مبحثه سماه : " مسلك الحنفا في والدي المصطفى "

والذي بحمد الله أفردناه في دراسة مهمة من مباحثنا بعنوان : (21)

وقد قام السيوطي في مبحثه بردود دفاعية هامة للموضوع وبالتحديد عن أبوا النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ..

وقد ذكر الإمام القرطبي :

في الجامع لأحكام القرآن وفي معرض الرد على المتحاجين في كفر أهل الفترة وممن أفردوا الحجج والحجج المضادة بقوله :

[ وهذه الآية أيضا يعطي احتمال ألفاظها نحو هذا في الذين لم تصلهم رسالة وهم أهل الفترات الذين قد قدر وجودهم بعض أهل العلم وأما ما ورد من أن الله تعالى يبعث إليهم يوم القيامة وإلى المجانين والأطفال فحديث لم يصح ولا يقتضي ما تعطيه الشريعة من أن الآخرة ليست دار تكليف قال المهدوي : وروي عن أبي هريرة أن الله عز وجل يبعث يوم القيامة رسولا إلى أهل الفترة والأبكم والأخرس والأصم فيطيعه منهم من كان يريد أن يطيعه في الدنيا وتلا الآية ..

رواه معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة ذكره النحاس

قلت : هذا موقوف وسيأتي مرفوعا في آخر سورة طه إن شاء الله تعالى ولا يصح وقد استدل قوم في أن أهل الجزائر إذا سمعوا بالإسلام وآمنوا فلا تكليف عليهم فيما مضى وهذا صحيح ومن لم تبلغه الدعوة فهو غير مستحق للعذاب من جهة العقل والله أعلم ]

(22) )

[ وقيل : المراد بالقوم أهل الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام قال ابن عباس و مقاتل وقيل : كانت الحجة ثابتة لله جل وعز عليهم بإنذار من تقدم من الرسل وإن لم يروا رسولا وقد تقدم هذا المعنى ] (23)

ومع ذلك احتوت كتب المفسرين على جمله من الأحاديث المتعارضة والتي وجه لها العلماء مثل السيوطي والقرطبي وحشد غيرهم بملاحقتها كما بيناه في مبحثنا ....

والرواية في هذا السياق متعددة كما جاءت في كتب التفسير :

وقد ذكر السيوطي رحمه الله في الدر المنثور :

[وأخرج ابن جرير عن الحسن رضي الله عنه قال :

[ يا ابن آدم بسطت لك صحيفة ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن يسارك حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة

فعند ذلك يقول : وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه حتى بلغ عليك حسيبا ] ..

(24)

عن عائشة رضي الله عنها قال :

" سالت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين ؟ فقال : " هم مع آبائهم " ثم سألته بعد ذلك ؟ فقال : " الله أعلم بما كانوا عاملين " ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام ؟ ! فنزلت ولا تز وازرة وزر أخرى فقال : " هم على الفطرة " أو قال : في الجنة

" وأخرج عن سلمان رضي الله عنه قال : أطفال المشركين خدم أهل الجنة "

[ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا (72)

قوله : ألزمناه طائره في عنقه قال : سعادته وشقاوته وما قدره الله له وعليه فهو لازمه أينما كان

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق جوبير عن الضحاك رضي الله عنه

في قوله تعالى " : طائره في عنقه " قال : قال عبد الله رضي الله عنه الشقاء والسعادة والرزق والأجل

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أنس رضي الله عنه في قوله : طائره في عنقه قال : كتابه

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد رضي الله عنه في قوله :

"وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه أي عمله

وأخرج أبو داود في كتاب القدر وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله :

وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه قال : ما من مولود يولد إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد ]

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله :

[ ألزمناه طائره قال : عمله ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا قال : هو عمله الذي عمل أحصي عليه فأخرج له يوم القيامة ما كتب عليه من العمل فقرأه منشورا

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في الآية قال :

الكافر يخرج له يوم القيامة كتاب فيقول :

[ رب إنك قد قضيت إنك لست بظلام للعبيد فاجعلني أحاسب نفسي ]

[ وأخرج ابن جرير عن الحسن رضي الله عنه قال :

" يا ابن آدم بسطت لك صحيفة ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن يسارك حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة .

فعند ذلك يقول : وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه حتى بلغ عليك حسيبا ]

(25) )

وقد ساق السيوطي وغيره الروايات التي تدعو للتعذيب والحساب في غياب الرسل وقد فند العديد من المفسرين والعلماء هذه الرواية وأبطلوا مفعولها لما لها من تأثير سلبي وتضارب وغياب المنطقية ومخالفة العقل وصريح قوله تعالى :

" وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }الإسراء15

يتصادم مع صريح القرآن .. وفيها :

[ قال : كنت أقول في أطفال المشركين هم مع آبائهم حتى حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عنهم ؟ فقال : " ربهم أعلم بهم وبما كانوا عاملين " فأمسكت عن قولي

وأخرج قاسم بن أصبغ وابن عبد البر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين ؟ فقال :

" الله أعلم بما كانوا عاملين والله أعلم "

الآية 15 - 17 أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :

" إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة : المعتوه والأصم والأبكم والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام ثم أرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار فيقولون كيف ؟ ولم تأتنا رسل ! قال : وأيم الله لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ثم يرسل إليهم فيطيعه من كان يريد أن يطيعه "

قال أبو هريرة رضي الله عنه :

" اقرؤوا إن شئتم وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا

وأخرج إسحق بن راهويه وأحمد وابن حبان وأبو نعيم في المعرفة والطبراني وابن مردويه والبيهقي في كتاب الاعتقاد عن الأسود بن سريع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم :

" أربعة يحتجون يوم القيامة : رجل أصم لا يسمع شيئا ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في الفطرة فأما الأصم فيقول :

[ رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا وأما الأحمق فيقول : رب جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر وأما الهرم فيقول : رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا وأما الذي مات في الفطرة فيقول : رب ما آتاني لك رسول فيأخذ مواثيقهم ويرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار

قال : فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها كانت عليهم بردا وسلاما ومن لم يدخلها سحب إليها وأخرج ابن راهويه وأحمد وابن مردويه والبيهقي أبي هريرة رضي الله عنه مثله غير أنه قال في آخره : فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن لم يدخلها سحب إليها "

وأخرج قاسم بن أصبغ والبزار وأبو يعلى وابن عبد البر في التمهيد عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" يؤتى يوم القيامة بأربعة : بالمولود والمعتوه ومن مات في الفترة والشيخ الهرم الفاني كلهم يتكلم بحجته فيقول الرب تبارك وتعالى : لعنق من جهنم أبرزي ويقول لكم :

" غني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم وإني رسول نفسي إليكم

فيقول لهم : ادخلوا هذه فيقول : من كتب عليه الشقاء يا رب ؟ أندخلها ومنها كنا نفر ؟ ! قال : وأما من كتب له السعادة فيمضي فيها فيقول الرب : قد عاينتموني فعصيتموني فأنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار"

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والطبراني وأبو نعيم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

" يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلا وبالهالك في الفترة وبالهالك صغيرا فيقول الممسوخ عقلا : يا رب لو آتيتني عقلا ما كان من آتيته عقلا بأسعد بعقله مني ويقول الهالك في الفترة رب لو أتاني منك عهد ما كان من أتاه منك عهد بأسعد بعهدك مني ويقول الهالك صغيرا : يا رب لو آتيتني عمرا ما كان من أتيته عمرا بأسعد بعمره مني فيقول الرب تبارك وتعالى : فإني آمركم بأمر تطيعوني ؟ فيقولون : نعم وعزتك فيقول لهم : اذهبوا فادخلوا جهنم ولو دخلوها ما ضرتهم شيئا فخرج عليهم قوابص من نار يظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء فيرجعون سراعا ويقولون : يا ربنا خرجنا وعزتك نريد دخولها فخرجت علينا قوابص من نار ظننا أن قد أهلكت ما خلق الله من شيء ثم يأمرهم ثانية فيرجعون كذلك ويقولون : كذلك فيقول الرب : خلقتكم على علمي وإلى علمي تصيرون ضميهم فتأخذهم النار ] "

(26)

[ قالوا : إن كلمة الامامية قد اتفقت على أن آباء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ، من آدم إلى عبد الله كلهم مؤمنون موحدون * . بل ويضيف المجلسي قوله :

" . . . بل كانوا من الصديقين ، إما أنبياء مرسلين ، أو أوصياء معصومين ، ولعل بعضهم لم يظهر الإسلام ، لتقية ، أو لمصلحة دينية " . * ويضيف الصدوق هنا : أن أم النبي صلى الله عليه وآله وسلم آمنة بنت وهب كانت مسلمة أيضا . (27)

ومعنى ذلك : هو أنه ليس في آباء الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلا الخير والبركة ، وهذا هو ما ورثه الرسول عنهم ، ويتأكد بذلك طهارته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الأرجاس ، والرذائل ، حتى ما يكون عن طريق الوراثة ، والناس معادن كمعادن الذهب والفضة ، وهو ما أثبته العلم الحديث أيضا ، حيث لم يبق ثمة أية شبهة في تأثير عامل الوراثة في تكوين شخصية الإنسان ، وفي خصاله ومزاياه . ]

والقول بأن التعذيب هو الأصل لمن عاشوا في زمن الفترة هو متناقض كما في الوجهة القرآنية وقوله تعالى : {مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }الإسراء15

وهذا الحديث والتوجه المتضاد مع حركة التوجيه القرآنية هو أيضا يتصادم بقوة مع المنهجية القرآنية وقواعد الحساب والعقاب الإلهية وأن موضوع الرحمة الإلهية التي اكتنز العلي القدير منها تسعة وتسعون وأنزل منها واحدا على مساحة الأرض ولهذا جاء في الحديث القدسي أن " 53 - أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ومن ثبتها ثبته إن رحمتي سبقت غضبي ]

(28)

[105 - حسنة ابن آدم عشر وأزيده والسيئة واحدة وأغفرها رواه أبو نعيم عن أبي ذر

106رقم - خلقت الخير والشر فطوبى لمن خلقته للخير وأجريت الخير على يديه وويل لمن خلقته للشر وأجريت الشر على يديه رواه ابن شاهين عن أبي أمامة

107رقم - خلقت بضع عشرة وثلثمائة خلق من جاء بخلق منها مع شهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة رواه الطبراني في الأوسط عن أنس ]

]108رقم - سبقت رحمتي غضبي رواه مسلم عن أبي هريرة

109 رقم - شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني وكذبني وما ينبغي له أن يكذبني أما

[- وعزتي وجلالي ورحمتي لا أدع في النار أحدا قال لا إله إلا الله رواه تمام عن أنس بن مالك [ رقم 161

162رقم - وعزتي ووحدانيتي وارتفاع مكانتي واحتياج خلقي إلي واستوائي على عرشي إني لأستحي من عبدي وأمتي يشيبان في الإسلام ثم أعذبهما رواه الخليلي والرافعي عن أنس ] وبهذا خطت الرحمة الإلهية الموحدين بلا حدود وإن المعطلين والواقفية بين الله وعباده ليسوا الا وعاظا يقفون على أبواب جهنم وكفى

(29)

ــ وقال الأشعري :

معرفة الله واجبة بالشرع لا بالعقل تمسكا بقوله تعالى ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) ولعله أرجع مؤاخذة أهل الفترة على الشرك إلى التواتر بمجيء الرسل بالتوحيد .

وجملة ( وكذلك نفصل الآيات ) معترضة بين القصتين والواو اعتراضية وتسمى واو الاستئناف أي مثل هذا التفصيل نفصل الآيات أي آيات القرآن وتقدم نظير هذا عند قوله تعالى : ( وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ) في سورة الأنعام . ..

وهذه البينة هي محمد صلى الله عليه وسلم وكتابه القرآن لأن الرسول موعود به في الكتب السالفة ولأن في القرآن تصديقا لما في تلك الكتب من أخبار الأنبياء ومن المواعظ وأصول التشريع . وقد جاء به رسول أمي ليس من أهل الكتاب ولا نشأ في قوم أهل علم ومزاولة للتاريخ مع مجيئه بما هو أوضح من فلق الصبح من أخبارهم التي لم يستطع أهل الكتاب إنكارها قال تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ) .. وكانوا لا يحققون كثيرا منها بما طرأ عليهم من التفرق وتلاشي أصول كتبهم وإعادة كتابة كثير منها بالمعنى على حسب تأويلات سقيمة

وأما القرآن فما حواه من دلائل الصدق والرشاد وما امتاز به عن سائر الكتب من البلاغة والفصاحة البالغتين حد الإعجاز وهو ما قامت به الحجة على العرب مباشرة وعلى غيرهم استدلالا . وهذا مثل قوله تعالى ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهر ة )

وقرأ نافع وحفص وابن جاز عن أبي جعفر ( تأتهم ) " بتاء المضارع للمؤنث " . وقرأه الباقون بتحتية المذكر لأن تأنيث ( بينة ) غير حقيقي وأصل الإسناد التذكير لأن التذكير ليس علامة ولكنه الأصل في الكلام ..

( ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آيتك من قبل أن نذل ونخزى [ 134 ] )

الذي يظهر أن جملة ( ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله ) معطوفة على جملة ( أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى ) وأن المعنى على الارتقاء في الاستدلال عليهم بأنهم ضالون حين أخروا الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وجعلوه متوقفا على أن يأتيهم بآية من ربه لأن ما هم متلبسون به من الإشراك بالله ضلال بين قد حجبت عن إدراك فساده العادات واشتغال البال بشؤون دين الشرك فالإشراك وحده كاف في استحقاقهم العذاب ولكن الله رحمهم فلم يؤاخذهم به إلا بعد أن أرسل إليهم رسولا يوقظ عقولهم . فمجيء الرسول بذلك كاف في استدلال العقول على فساد ما هم فيه فكيف يسألون بعد ذلك إتيان الرسول لهم بآية على صدقه فيما دعاهم إليه من نبذ الشرك لو سلم لهم جدلا أن ما جاءهم من البينة ليس هو بآية فقد بطل عذرهم من أصله وهو قولهم ( ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ) . وهذا كقوله تعالى ( وهذا كتاب أنزلناه مبارك فأتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة ) . فالضمير في قوله ( من قبله ) عائد إلى القرآن الذي الكلام عليه أو على الرسول باعتبار وصفه بأنه بينة أو على إتيان البينة المأخوذ من ( أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى )

صلى الله عليه وسلم عليه الصلاة والسلام وفي هذه الآية دليل على أن الإيمان بوحدانية خالق الخلق يقتضيه العقل لولا حجب الضلالات والهوى وأن مجيء الرسل لإيقاظ العقول والفطر وأن الله لا يؤاخذ أهل الفترة على الإشراك حتى يبعث إليهم رسولا وأن قريشا كانوا أهل فترة قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ]

(30)

وإذا كان معرفة الله وبيان حجته يلزمها وجود النبي والحجة ، فيبقى التعذيب والحساب مرهونا بالرسل وفي هذا القطع لا بأقوال أصحاب الرأي وهم من سماهم سيدنا جعفر الصادق

[ الأرأيتيين ] !!

والحق تعالى يقول :

{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }البقرة134 ولضرورة وجود بيان الحجة جاء قوله تعالى :

{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ }الرعد30

والعذاب إجمالا لا يقع إلا على أهل العداوة للأنبياء والمرسلين والمبلغين ..

وهذه الروايات في نظرنا هي مخالفة للثوابت القرآنية القائمة على العدل الإلهي وفيها سمات تصف الباري جل وعلا بالظلم فهو يسلب العقل على خلقتهم ويعذبهم وهذا تصوير في نظرنا هو أقرب لأساطير العهد القديم عند اليهود .. وقد سقناها في مبحثنا كما ساقها علماء التفسير عملا بالأمانة العلمية ولذا اقتضى الأمر وضعها على المشرحة النقدية بنصوص القرآن ، والعذاب في الشريعة لا يكون الا لصناع الكبائر والمشركين وما عداهم يعذبون بالعصيان في قبورهم وفي الدنيا .. ونسي هؤلاء القساة من وضاعي الأقاصيص على هذا النحو أن معظم عذاب أمة محمد في صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا .. بالزلازل والبراكين والرجفات حسب الأحاديث الصحيحة ..

وأما أن يعذب الله تعالى المجانين !! فهذا خارج حدود الإستيعاب ولا نراه من الحديث النبوي في شيء .. والقول الشائع وهو أقرب لمعاني الحديث النبوي فيه [ إذا أخذ الله ما أوهب أسقط ما أوجب ] ..

ولأن لهذه الاتجاهات أنصارها المعاصرين الذين يكفروننا سلفا ؟؟

فإنهم سيلقون في قولنا حجة للتكفير وتكريس لزومية الخطف والاغتيال بدعوى إنكار الأحاديث النبوية ..أما وصف الرب بالظلم كاليهود فهذا من المنطق !! وان كان المنطق اليوم يلزمه أبجديات جديدة أمام حركة النور وقراءة القرآن والحديث بروح العقل وحجية القرآن بالقرآن .. ورحم الله سيدنا جعفر الصادق عندما كان جالسا وقام قائلا دعوني أكلم ربي ففزع السطحيون .. فوجدوه ناظرا في كتاب الله .. إن الفاجعة اليوم في أمة المسلمين وهي تقرأ القرآن لا تعتبره حوار منزلا من الله وأن الله يتكلم والعبد يجيب . أي حوار بين العبد وربه ... وفي الإجابة يكون التأديب وهو قوله تعالى :

{ إذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا له لعلكم ترحمون }والرحمة هي التأديب والارتقاء .. أما اليوم فالقراءة لها ترتيلا ومرتلين مختلفين ، وكل له أسطوانة تختلف عن الأخرى ، والطبلاوي يختلف عن عبد الباسط عبد الصمد .. وهذا صوته عذب والآخر له جماهيره في بيوت العزاء و في بلاد العرب .. تجد ألف صوت ومقرئ لا يفقه الحوار في القرآن .. وعند الجدال يملأ الساحة ضجيجا بالمدلولات الضعيفة والموضوعة !!

ونسيت الأمة الوصية النبوية على [ القرآن ] في زمن الفتنة التي تلي موته صلى الله عليه وآله وسلم .. وفيه قال سيدنا الصادق عليه السلام :

[ ما قال جدي رسول الله صلى الله عليه وآله حديثا إلا وأصله في القرآن ] واستطرد عليه السلام مبينا .. لكن بعد الناس عن كتاب الله هو سبب جهلهم وغيابهم وفهمهم لعلم التأويل والذي اختص به فقط آل البيت النبوي عليهم السلام .

[وهذا كما لا يخفى معارضة لما ثبت في الكتاب والسنة ومناقضة لما صرح باشتراكهما فيما سبق من صاحب النبوة فما ذكره من تطويل البحث وتكثير الأدلة غير مفيد له في هذه القضية مع ظهور التناقض في كلامه لتحصيل مرامه فإنهما لو كانا من أهل الفترة لما احتاج إلى الإحياء والإيمان بالنبوة بناء على أنهما من أهل النجاة في الفطرة

ثم هذه المسألة فيها خلاف المعتزلة وأكثر أهل السنة حتى قال بعض المحققين لا يوجد صاحب الفترة إلا من ولد في مفازة خالية عن سماع بعثة صاحب النبوة بالكلية على خلاف في أنه هل هو مكلف بالعقل توحيد الرب وشكر نعمته ووجوب النظر في صنعته أم

لا . ومما يتفرع عليه ما ذكره البغوي في التهذيب

أما من لم تبلغه الدعوة فلا يجوز قتله قبل أن يدعى إلى الإسلام فإن قتل قبل أن يدعى إلى الإسلام وجب في قتله الدية والكفارة وعند أبي حنيفة رضي الله عنه لا يجب الضمان بقتله] [وقال الغزالي في البسيط :

من لم تبلغه الدعوة يضمن بالدية والكفارة لا بالقصاص على الصحيح لأنه ليس مسلما على التحقيق وإنما هو في معنى المسلم قال ابن الرفعة في الكفاية لأنه مولود على الفترة ولم يظهر منه عناد انتهى

ولا يخفى ما فيه من الدلالة على أن أهل الفترة هو الذي يكون على أصل الفطرة من التوحيد ولم يظهر منه من الكفر ما ينافي التفريد كما يدل عليه قوله سبحانه فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ]

وكما ورد في حديث : كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ... الحديث

وفيه دليل على أن كل مولود في حال عقله وكمال حالة إذا خلي ،

ولهذا قال الإمام فخر الدين :

" من مات مشركا فهو في النار وإن مات قبل البعثة لأن المشركين كانوا قد غيروا الحنيفية دين إبراهيم واستبدلوا بها الشرك وارتكبوه وليس معهم حجة ولم يزل معلوما من دين الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم قبح الشرك والوعيد عليه في النار وأخبار عقوبات الله لأهله متداولة بين الأمم قرنا بعد قرن فلله الحجة البالغة على المشركين في كل وقت وحين ولو لم يكن إلا ما فطر الله عباده عليه من توحيد ربوبية وأنه يستحيل في كل فطرة وعقل أن يكون معه إله آخر وإن كان سبحانه لا يعذب بمقتضى هذه الفطرة وحدها فلم تزل دعوة الرسل إلى التوحيد في الأرض معلومة لأهلها فالمشرك مستحق للعذاب في النار لمخالفته دعوى الرسل وهو مخلد فيها دائما كخلود أهل الجنة في الجنة انتهى ]

[ إن من بلغته الدعوة لا يكون من أهل الفترة ]

ورفعه سهل فإن مراد النووي من أهل الفترة من كان قبل بعثة نبينا بالجاهلية

ومنها قول السيوطي :

" إنهما لم يثبت شرك عنهما بل كانا على الحنيفية دين جدهما إبراهيم عليه الصلاة والسلام "

(31) ... " قلنا لهم هذا باطل لأن أهل الفترة لم تأتهم النذارة ولا بلغهم خبر النبوة والنص إنما جاء فى أهل الفترة ومن زاد في الخبر ما ليس فيه فقد كذب على الله عز وجل ثم نقول لهم وبالله تعالى التوفيق ما حد الإستدلال الموجب لاسم الإيمان عندكم وقد يسمع دليلا عليه اعتراض أيجزيه ذلك لدليل أم لا فإن قالوا يجزيه قلنا لهم ومن أين وجب أن يجزيه وهو دليل معترض فيه وليس هذه الصفة من الدلائل المخرجة عن الجهل إلى العلم بل هي مؤدية إلى الجهل الذي كان عليه "

(32)

ومما ثبت قوله وهو وجهتنا أن لا عذاب الا برسول مبلغ يقيم الحجة على العباد والنبي صلى الله عليه آله وسلم وعلي بن أبي طالب عليه السلام هما حجة الله على العباد كما في صحيح الحديث .. وقد تناولته قرائتنا في حينه ..

وقال العجلوني رحمه الله في كشف الخفاء :

[ معجزة له وخصوصية لهما في نفع إيمانهما به بعد الموت على أن الصحيح عند الشافعية من الأقوال أن أهل الفترة ناجون وقد ألف كثير من العلماء في إسلامهما شكر الله سعيهم منهم الحافظ السخاوي فإنه قال في المقاصد وقد كتبت فيه جزءا والذي أراه الكف عن هذا إثباتا ونفيا وقال في الدرر أخرجه بعضهم بإسناد ضعيف وما أحسن قول حافظ الشام ابن ناصر الدين :

حبا الله النبي مزيد الفضل على فضل وكان به رؤوفا

فأحيا أمه وكذا أباه لإيمان به فضلا لطيفا

فسلم فالقديم بذا قدير وإن كان الحديث به ضعيفا ]

[150 - أحيا أبوي النبي صلى الله عليه وسلم حتى آمنا به

.. أورده العسكري عن عائشة وقال في التمييز تبعا للمقاصد أورده الخطيب في السابق واللاحق وكذا السهيلي عن عائشة وقال في إسناده مجاهيل وقال ابن كثير إنه منكر جدا وإن كان ممكنا بالنظر إلى قدرة الله تعالى ولكن ثبت في الصحيح ما يعارضه انتهى وأقول الترجمة المذكورة ليست بلفظ الحديث وإنما لفظه ما سيأتي وقوله ثبت في الصحيح ما يعارضه هو ما رواه مسلم عن أنس بلفظ إن رجلا قال يا رسول الله أين أبي ؟ قال في النار فلما قفى دعاه فقال إن أبي وأباك في النار ] ــ وحديث [ أبي وأباك في النار] أصلا هو حديث منكركما في مصادرنا ..

وكذا ما رواه مسلم أيضا وأبو داود عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم استأذن بالاستغفار لأمه فلم يؤذن له وقد وقع في كلام بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى

{ ولا تسأل عن أصحاب الجحيم } ما لا يليق أخذا بظاهر ما في الصحيح المار ويمكن الجواب بأن ما في الصحيح كان أولا ثم أحياهما الله تعالى حتى آمنا به صلى الله عليه وسلم [ صفحة 61 ] معجزة له وخصوصية لهما في نفع إيمانهما به بعد الموت على أن الصحيح عند الشافعية من الأقوال أن أهل الفترة ناجون وقد ألف كثير من العلماء في إسلامهما شكر الله سعيهم منهم الحافظ السخاوي فإنه قال في المقاصد وقد كتبت فيه جزءا والذي أراه الكف عن هذا إثباتا ونفيا وقال في الدرر أخرجه بعضهم بإسناد ضعيف وما أحسن قول حافظ الشام ابن ناصر الدين :

حبا الله النبي مزيد الفضل على فضل وكان به رؤوفا

فأحيا أمه وكذا أباه لإيمان به فضلا لطــــــــيفا

فسلم فالقديم بذا قدير وإن كان الحديث به ضعيفا

ومنهم الحافظ السيوطي فإنه ألف في ذلك مؤلفات عديدة منها مسالك الحنفا في إسلام والدي المصطفى وحاصل ما ذكره في ذلك ثلاثة مسالك : :

المسلك الأول :

" أنهما ماتا قبل البعثة ولا تعذيب قبلها لقوله تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } وقد أطبقت الأ شاعرة من أهل الكلام والأصول والشافعية من الفقهاء على أن من مات ولم تبلغه الدعوة يموت ناجيا وإنه لا يقاتل حتى يدعى إلى الإسلام وأنه إذا قتل يضمن بالدية والكفارة كما نص عليه الشافعي وسائر الأصحاب بل قال بعضهم إنه يجب في قتله القصاص لكن الصحيح خلافه لأنه ليس بمسلم حقيقي وشرط القصاص المكافأة

المسلك الثاني :

" إنهما لم يثبت عنهما شرك بل كانا على الحنيفية دين جدهما إبراهيم عليه السلام كما كان على ذلك طائفة من العرب كزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وذهب إلى هذا المسلك طائفة منهم الإمام الرازي بل قالوا إن سائر آبائه صلى الله عليه وسلم لهم هذا الحكم فليس فيهم كافر وأما آذر فليس بوالد إبراهيم بل عمه على الصحيح ..

المسلك الثالث :

" أن الله أحيا له أبويه صلى الله عليه وسلم حتى آمنا به وهذا المسلك مال إليه طائفة كثيرة من حفاظ المحدثين وغيرهم منهم ابن شاهين والحافظ أبو بكر البغدادي والسهيلي والقرطبي والمحب الطبري وغيرهم واستدلوا لذلك بما أخرجه ابن شاهين والخطيب البغدادي والدارقطني وابن عساكر بسند ضعيف عن عائشة قالت حج [ صفحة 62 ] بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فمر بي على عقبة الحجون وهو باك حزين مغتم فنزل فمكث عني طويلا ثم عاد إلي وهو فرح متبسم قلت له فقال ذهبت لقبر أمي فسألت الله أن يحييها فأحياها فآمنت بي وردها الله وهذا الحديث ضعيف باتفاق الحفاظ بل قيل إنه موضوع لكن الصواب ضعفه وأورده السهيلي في روضه بسند فيه مجهولون عن عائشة بلفظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يحيي أبويه فأحياهما له ثم آمنا به ثم أماتهما .

[ سيتم تفصيل الموضوع في الباب التالي .. والحق أن أبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم مسلمين ومؤمنين بالنبوة قبيل بعثتها الأولى : مسلمون على دين إبراهيم الخليل عليه السلام ومؤمنون بالنور والمعجزات وهم يرون نور الله في محمد يصعد في جباههم وكراماتهم بيبن أيديهم تسعى كما معجزان موسى النبي عليه السلام .. وموضوع إحياؤهما هو معجزة ولكن ليس بقصد الإيمان بل لشرف النبوة وجلال الاصطفاء الذي كان نور محمد صلوات الله عليه وسلامه يسعى بين أيديهم عليهم السلام ــ المؤلف ]

قال السهيلي بعد إيراده :

" والله قادر على كل شيء وليس تعجز رحمته وقدرته عن شيء ونبيه صلى الله عليه وسلم أهل أن يختص بما شاء من فضله وينعم عليه بما شاء من كرامته

وقال القرطبي :

لا تعارض بين حديث الإحياء وحديث النهي عن الاستغفار فإن إحياءهما متأخر عن الاستغفار لهما بدليل حديث عائشة أن ذلك كان في حجة الوداع ولذلك جعله ابن شاهين ناسخا لما ذكر من الأخبار..

ــ ونقول عبارة أن الاستغفار هو تشريف للعبد وليس بالضرورة أن يكون لتكفير معصية ، واستغفار المعصومين عبادة شكر علوية فيها التقديس .. فأهل البيت الساجدون وأجدادهم مطهرون من الرجز .. وأبوا النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هم معصومون بنور محمد صلوات الله عليه وسلامه .. و الذي يجلل ذرات أجسادهم المطهرة نور من نور.. ونور على نور . ــ

وقال العلامة ابن المنير المالكي في المقتفى في شرف المصطفى :

" قد وقع لنبينا صلى الله عليه وسلم إحياء الموتى نظير ما وقع لعيسى بن مريم إلى أن قال وجاء في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما منع من الاستغفار للكفار دعا الله أن يحيي له أبويه فأحياهما له فآمنا به وصدقاه وماتا مؤمنين ..

وقال القرطبي :

" فضائل النبي صلى الله عليه وسلم لم تزل تتوالى وليس إحياؤهما وإيمانهما به ممتنع عقلا ولا شرعا فقد ورد في القرآن إحياء قتيل بني إسرائيل وإخباره بقاتله وكان عيسى عليه السلام يحي الموتى وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم أحيا الله على يديه جماعة من الموتى وإذا ثبت هذا فما يمنع من إيمانهما بعد إحيائهما زيادة في كرامته وفضيلته صلى الله عليه وسلم

وقال ابن سيد الناس بعد ذكر قصة الإحياء :

والأحاديث الواردة في التعذيب ذكر بعض أهل العلم في الجمع بين هذه الروايات ما حاصله أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل راقيا في المقامات السنية صاعدا في الدرجات العلية إلى أن قبض الله روحه الطاهرة إليه وأزلفه إلى ما خصه لديه من الكرامة حين القدوم فمن الجائز أن تكون هذه درجة حصلت له صلى الله عليه وسلم بعد أن لم تكن وأن يكون الإحياء والإيمان متأخرين عن تلك الأحاديث فلا تعارض انتهى ..

ثم قال السيوطي :

وقد سئلت أن أنظم هذه المسألة أبياتا أختم بها هذا التأليف فقلت :

[ صفحة 63 ]

إن الذي بعث النبي محمد ... نجى به الثقلين مما يجحف

ولأمه وأبيه حكم شائع ... أبداه أهل العلم فيما صنفوا :

فجماعة أجروهما مجرى الذي ... لم يأته خبر الدعاة المسعف

والحكم فيمن لم تجئه دعوة ... أن لا عذاب عليه حكم يؤلف

فبذاك قال الشافعية كلهم ... والأشعرية ما بهم متوقف

وبسورة الإسراء فيها حجة ... وبنحو ذا في الذكر آي تعرف

ولبعض أهل الفقه في تعليله ... معنى أرق من النسيم وألطف

إذ هم على الفطر الذي ولدوا ولم ... يظهر عناد منهم وتخلف

ونحا الإمام الفخر رازي الورى ... معنى به للسامعين تشنف

قال : الأولى ولبوا النبي المصطفى ... كل على التوحيد إذ يتحفف

من آدم لأبيه عبد الله ما ... فيهم أخو شرك ولا مستنكف

فالمشركون كما بسورة توبة ... نجس وكلهم بطهر يوصف

وبسورة الشعراء فيه تقلب ... في الساجدين فكلهم متحنف

هذا كلام الشيخ فخر الدين في ... أسراره هطلت عليه الذرف

فجزاه رب العرش خير جزائه ... وحباه جنات النعيم تزخرف

فلقد تدين في زمان الجاهلية فرقة دين الهدى وتحنفوا

زيد بن عمر وابن نوفل هكذا الصديق ما شرك عليه يعنف

قد قرر السبكي بذاك مقالة ... للأشعري وما سواه مزيف

إذ لم تزل عين الرضا منه على الصديق وهو بطول عمر أحنف

عادت عليه صحبة الهادي فما ... في الجاهلية للضلالة يعرف

فلأمه وأبوه أحرى سيما ... وارت من الآيات ما لا يوصف

وجماعة ذهبوا إلى إحياءه ... أبويه حتى آمنا لا خوف

وروى ابن شاهين حديثا مسندا ... في ذاك لكن الحديث مضعف

هذي مسالك لو تفرد بعضها ... لكفى فكيف بها إذ تتألف [ صفحة 64 ]

وبحسب من لا يرتضيها صمته ... أدبا ولكن أين من هو منصف

صلى الإله على النبي محمد ... ما جدد الدين الحنيف محنف

انتهى

وقال الشهاب الخفاجي في آخر كتابه " المجالس " :

لما قرأت ما قاله علماء الحديث في الخصائص النبوية

أنه لا تلج النار جوفا فيه قطرة من فضلاته عليه الصلاة والسلام فقال :

[ من كان عندنا إذا كان هذا فكيف تعذب أرحام حملته ؟ فأعجبني كلامه ونظمته بقولي :

لوالدي طه مقام علي في جنة الخلد ودار الثواب

فقطرة من فضلات له في الجوف تنجي من أليم العقاب

فكيف أرحام له قد غدت حاملة تصلى بنار العذاب ؟ انتهى ]

(33) كشف الخفاء ج1/ 160 رقم 150

وفي عون المعبود :

[والذي سمعته من شيخنا شيخ الإسلام شرف الدين المناوي وقد سئل عن عبد المطلب فقال هو من أهل الفترة الذين لم تبلغ لهم الدعوة وحكمهم في المذهب معروف انتهى كلام السيوطي ] .. (34)

وخلص الشوكاني رحمه الله في مبحثه :

" بإسلام وإيمان أبوا النبي صلوات الله عليه وسلامه وأنهما معصومان ،

وسنفصل الموضوع في باب " إحياء الله تعالى لأبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم .. (35)

[ ومما يوجب العجب العجاب قول بعضهم :

أن أبوا النبي صلى الله عليه وسلم ماتا على الكفر وفي الوقت نفسه يذكرون أن آمنة كانت تحوطها الملائكة الكرام وكان يرى نور النبوة في جبهة عبد الله الخ .. ما ذكروه فهل المشرك النجس تزفه الملائكة وتخالطه الأرواح الطاهرة ويرى من إرهاصات النبوة :

ما يفيد انه من أقرب المقربين إلى ربه ؟ وأغرب من هذا قولهم :

إن الله تعالى قد أحيا أبوي النبي صلى الله عليه وسلم فآمنا به وماتا بعد ذلك . ولعل قائل هذا نسي أن قدرة الله كانت صالحة أيضا لأن يهديهما إلى توحيد الإله في حال حياتهما كما هدى زيد بن عمرو بن نفيل وغيره بل يصونهما عن عبادة الأصنام إكراما لنور النبوة الذي أشرق على جميع العالم فأخرجه من الظلمات إلى النور وأيهما أقرب إلى تعلق القدرة هدايتهما قبل الموت أو إحياؤهما لمجرد الإيمان وإماتتهما فورا على أن الإيمان بعد الموت والمعاينة لا معنى له وإذا كان الإيمان في حالة الاحتضار غير مفيد بعد أن يرى الإنسان العذاب ويوقن بما بعد الموت ؟ فإذا قالوا : إن المسألة معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم قلنا : إن المعجزة عند الضرورة . وأي ضرورة في هذا ؟ إذ يكفي أن يغفر الله لهما بدون خرق للنظم . كل هذا كلام لا يصح ذكره في الكتب العلمية ولا المناقشة فيه بل الحق أن أجداد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا موحدين جميعا

وما نقل عن بعضهم أنه تأثر بعادات قومه لم يكن مشركا مطلقا انظر ما روي عن جده عبد المطلب وهو يضرع إلى الله ويستغيث به من أصحاب الفيل حيث يقول :

لا هم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك ...

وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك

فهل هذا كلام وثني يعبد الصنم أو كلام موحد مخلص لربه ؟

والذي أثار مثل هذه الشبهات الفاسدة أمران :

أحدهما : ما نقل عن أبي حنيفة أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ماتا على الكفر .

ثانيهما : ما رواه مسلم من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي الذي سأله عن أبيه : " إن أبي وأباك في النار " أما قول أبي حنيفة رضي الله عنه فإن الذي حمله على ذلك هو تأييد مذهبه من أن أهل الفترة غير ناجين إذا أشركوا مع الله غيره فهم ملزمون بتوحيد الله بعقولهم لأن معرفة الله ثبتت بالعقل لا بالشرع فغير الموحد من أهل الفترة مثل غيره من المشركين الذين جاءتهم الرسل ولا يخفى أن البحث يدور حول هذه المسألة من جهتين :

إحداهما : هل أهل الفترة ناجون أو ل..

ثانيتهما : هل ثبت كون آباء النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا موحدين أو لا

وما طريق الإثبات ؟ ولا يخفى أن الأولى اعتقاديه ومعلوم أن العقائد لا تثبت إلا بالقطعي من دليل عقلي أو نقلي والثانية تاريخية ..

فأما الأدلة على أن أهل الفترة ناجون فهي قطعية في نظري وذلك لأن الله تعالى قال : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } وحمل الرسول على العقل خروج على الظاهر المعقول بدون ضرورة فإن الرسول إذا أطلق في لسان الشرع كان معناه - الإنسان الذي أوحى إليه بشرع أمر بتبليغه - والقرآن من أوله إلى آخره على هذا قال تعالى : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل }

{ وأرسلنا رسلنا تترى } { جاءتهم رسلهم } { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه } ..

وهكذا فإذا استطاعوا أن يأتوا بكلمة رسول في القرآن على غير هذا المعنى كان لهم العذر وهذا هو المعقول المطابق لسنن الله في خلقه فإن الله سبحانه قد أرسل الرسل من بدء الخلق إلى أن استقرت وختمت بالشريعة الإسلامية التي لا تقبل الزوال بل جعل الله في طبيعتها ما يجعلها تنمو وتزداد كلما تجدد الزمن وليس من المعقول أن تقول : إن الله أرسل الرسل لتبليغ الشرائع الفرعية وتبليغ أحوال الآخرة فحسب أما معرفة الله الواحد المنزه عن كل ما يليق به فواجبة على الناس بطبيعتهم . فعليهم أن يعرفوا ذلك من غير الرسل وإلا كانوا معذبين لأن هذا القول ينقضه الواقع القطعي فإن أول شيء اهتم به الرسل هو توحيد الإله . بل كان كل همهم منحصرا في توحيد الإله ولولا ما أودعه الله في الرسل من أسرار وقوى مؤثرة فوق طبائع البشر لما وجد على ظهر الأرض موحد اللهم إلا شواذ العالم في الذكاء النادر والفطنة الباهرة أمثال زيد بن عمرو بن نفيل . وقس بن ساعدة وكبار فلاسفة العالم الذين لا يتجاوزون أصابع اليد فهل يعقل أن الله العليم بطبائع عباده يلزمهم بالتوحيد بدون إرسال رسل ؟ إن ذلك يكون قصرا لنعيمه على أفراد قلائل من خلقه وتعذيب الباقين وأين هذا من كرم الله ورحمته بعباده ؟ أين هذا من قوله :

{ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } وقوله : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } أي دليل يخصص الآية الثانية بغير توحيد الإله ؟ فإن الله سبحانه جعل للناس الحجة عند عدم إرسال الرسل سواء كان ذلك في العقائد أو في غيرها ومن الغريب أن مقاومة الرسل ما كانت إلا في توحيد الإله فإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ولوط وهود وصالح وشعيب وغيرهم لم يضطهدهم قومهم إلا من أجل معرفة الإله وتوحيده ولم يظهر جهادهم إلا في توحيد الإله ومعرفته ونظرة واحدة إلى كتاب الله تبين مقدار عنايته بمحاربة الوثنية فقد ملئ بالأدلة الكونية وضرب الأمثال المحسة والحجج القطعية على وجود الإله ووحدانيته ومع ذلك فقد كانوا من أشد الناس عنادا وإصرارا وغفلة عن الإله ووحدانيته فهل مثل هؤلاء كانت عقولهم كافية في معرفة الإله ؟

ولم توجد أمة من الأمم في زمن من الأزمنة على غير هذا المنوال فنظرية أن العقل كاف في معرفة الإله بدون رسل تتصادم مع طبيعة المخلوقات بدون استثناء اللهم إلا إذا قلنا : إن الله خلق الناس أجمعين ليعذبهم ويقصر نعمته على أفراد قلائل لا تتجاوز الأصابع عدا كلا إن الله أرحم من أن يعذب عباده من غير أن يبين لهم طريق الهداية والرشاد

فالحق أن أهل الفترة ناجون وإن غيروا وعبدوا الأصنام كما يقول الأ شاعرة والمالكية وبعض محققي الحنفية كالكمال بن الهمام والماتردية قد اختلفوا أيضا فمنهم من قال : إنهم ناجون ومنهم من اشترط لنجاتهم أن يمضي زمن يمكنهم النظر فيه وأن لا يموتوا وهم مشركون بعد النظر ولما كان الماتردية والحنفية شيئا واحدا فقد أول بعضهم ما ذهب إليه بعض الماتردية من نجاتهم بأنه محمول على ما إذا لم يموتوا وهم مشركون ولا أدري لهذا الحمل معنى لأن المفروض أنهم ناجون بعد موتهم مشركين أما إذا ماتوا موحدين فلا خلاف فيه لأحد فالذي قال من الماتردية : إنهم ناجون لا يريد به إلا نجاتهم بعد موتهم مشركين وإلا كان هازلا لأن من قال : لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة وإن قضى طول عمره مشركا باتفاق المسلمين

هذا وقد أول بعض علماء الحنفية قوله تعالى :

{ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } بوجه آخر فقال : إن المراد بالعذاب الاستئصال في الدنيا فالله تعالى لا يهلك الأمم في الدنيا إلا بعد أن يرسل لهم الرسل فلا يصدقوهم ويضطهدوهم وعند ذلك يهلكهم الله في الدنيا أما عذاب الآخرة فإنه يقع على من مات مشركا ولو لم يرسل الله لهم رسولا

ولكن الواقع أن الآية تدل على عكس ذلك على خط مستقيم وإليك البيان :

قال تعالى : { من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } ..

فالله سبحانه قصر هداية الشخص وضلاله على نفسه وظاهر أن المراد قصر ما يترتب عليهما من نفع وضرر فكل ما يترتب على هداية المرء من منفعة وكل ما يترتب على ضلاله من ضرر مقصور عليه وحده : وإذا كان كذلك فهل يتحقق هذا المعنى في الدنيا فقط . أو في الآخرة فقط . أو فيهما معا ؟ أما أنا فلا أفهم إلا أنه يتحقق في الآخرة فقط وذلك لأن منافع هداية الناس واستقامتهم ليست مقصورة عليهم وحدهم في الدنيا بل تتعداهم إلى أبنائهم وأهليهم وعشيرتهم بل وتتعداهم إلى المجتمع وهذا واضح وكذلك مضار الضلال ليست مقصورة على الضالين فقط . فكم صرع المضلون غيرهم وأوردوهم موارد الهلاك و الفناء . وشر الضلال في تربية الأبناء والأهل وآثاره ظاهرة في المجتمع وكذلك إذا قصرنا المنافع على ما يسوقه الله تعالى من خير وشر فإن الخير الذي يجيء بسبب الصالحين لا يقتصر عليهم بل يعم غيرهم والسنة الصحيحة مملوءة بهذا والشر الذي ينزل بسبب الضالين لا يقتصر عليهم ولهذا قال تعالى : { اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة }

وحينئذ لا يفهم من الآية على أن المراد بالمنافع الثواب الأخروي وبالمضار العذاب الأخروي ولذا قال تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } بيانا لمعنى القصر المذكور فهو سبحانه يقول :

كل واحد ينال جزاء عمله من خير أو شر قال تعالى :

{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره }

فلا يعطى أحد ثواب عمل الآخر ولا يحمل أحد عقاب وزر صاحبه وكل هذا في الآخرة بدون نزاع أما في الدنيا فإن صلاحها من أجل الصالحين يفيد غيرهم من الفاسقين والكافرين وفسادها بالخراب يؤذي أهلها سواء كانوا صالحين أو فاسدين

وبعد أن قرر الله ذلك أراد أن يظهر منته على عباده فقال عز وجل :

{ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } فلا يؤاخذ الله الناس بضلالهم ولا يعذبهم في الآخرة على عقائدهم وأقوالهم وأعمالهم التي لا يرضاها إلا بعد أن يرسل رسلا

{ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } فإن لهم أن يقولوا : إننا لا نعلم أن هذه العقائد أو هذه الأقوال والأعمال لا ترضيك فتكون لهم المعذرة ولا يكون لله عليهم الحجة البالغة ولا يمكن أيضا قصر رفع العذاب عنهم على الأقوال والأعمال بحيث لا يعذبون عليها هي أما معرفة الله تعالى وتوحيده فإنهم يعذبون عليها وذلك لأن هذا لا دليل عليه مطلقا بل الدليل قائم على خلافه وهو كلمة الضلال فإن الله دائما يصف المشركين بالضالين من أجل الشرك وعبادة الأوثان أما أعمالهم الفرعية من معاملات ونحوها فقل أن يعرض لها إلا على طريق التهذيب والتأنيب انظر مثلا إلى ما كانوا عليه من فساد في مسألة الأنكحة وغيرها فلما أراد الله أن يهذبهم شرع لهم بعد إسلامهم ما فيه سعادتهم فأقرأ قوله تعالى : { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا } وقوله : { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } وآية الدين . وآية المواريث . والوصية . والعدة . وإباحة النساء الأربع دون سواها . والصيام . والصلاة . والحج فإن كل هذا جاء بعد الإسلام ولم يكن محل نزاع بين المشركين وبين الرسل بل كل النزاع كان مقصورا على التوحيد فالضلال المذكور في الآية من ضلال الشرك وعدم معرفة الإله فهؤلاء الضالون لا يعذبهم الله إلا إذا أرسل لهم رسولا بلا نزاع

وبعد فلم يثبت أن آباء النبي كانوا مشركين بل ثبت أنهم كانوا موحدين فهم أطهار مقربون ولا يجوز أن يقال : إن أبوي النبي صلى الله وعليه وسلم كافران على أي حال بل هما في أعلى فراديس الجنات

أما الكلام في حديث مسلم فقد عرفت أن المالكية والأشاعرة قد احتجوا بقوله تعالى

{ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } وظاهر اللغة والعرف والسياق تفيد أن الرسول هو الإنسان الذي يوحى إليه من عند الله تعالى ويؤمر بالتبليغ فتأويله بالعقل تعسف واضح ومتى نطق كتاب الله بأمر يؤيده العقل وجب تأويل الأحاديث التي تخالفه إذا أمكن تأويلها وإلا وجب العمل بما يقتضيه كتاب الله تعالى :

وحديث مسلم هذا يمكن تأويله وهو أن المراد بأبي النبي صلى الله وعليه وسلم أبو لهب فإن الله تعالى قد أخبر أنه في النار قطعا والأب يطلق في اللغة على العم ويؤيد هذا التأويل نص الحديث وهو : " أن رجلا قال : يا رسول الله أين أبي ؟ قال : في النار فلما قفا دعاه فقال : إن أبي وأباك في النار " فظاهر هذا يفيد أن أحد المسلمين سأل عن مقر أبيه الذي مات مشركا ولم يجب دعوة النبي صلى الله وعليه وسلم فقال له النبي صلى الله وعليه وسلم : " إنه في النار " فظهر على وجه الرجل طبعا أمارة الحزن والأسف فولى آسفا فأراد صلى الله وعليه وسلم أن يزيل ما علق بنفس الرجل من أسى فاستدعاه ثانيا وقال له : " إن أبي وأباك في النار " ومعنى هذا أنه إذا كان أبوك في النار لأنه لم يؤمن بي فلا تجزع لأن أبي أنا وأنا رسول الله في النار لأنه لم يؤمن بي وهو أبو لهب طبعا فإن الله تعالى قد أخبر نبيه بأنه لم يؤمن فهو من أهل النار حتما

وأظن أن هذا المعنى لا تكلف فيه ولا تعسف بل هو الظاهر المعقول لأن كون النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بأن أبويه في النار وهما لم يعارضاه في دعوته ولم يرفضا ما جاء به لا فائدة فيه للناس إذ لا زجر فيه لأحد وإنما الذي يصح أن يزجر الناس كون أبي لهب المعارض للدعوة في النار

والحاصل أن الأحاديث الواردة في مثل هذا المقام يجب أن تحمل على نحو ما ذكرنا ومن لم يستطع تأويلها وقف معها موقف المفوض الذي عجز عن التأويل وعمل بما يقتضيه ظاهر كتاب الله تعالى المؤيد بالعقل والله يهدي إلى سواء السبيل

هذا وقد ذكرنا هذا الكلام في مذهب المالكية مع أن الحنفية تعرضوا له في مذهبهم لأن رأينا في هذا المقام أن أهل الفترة ناجون جميعا وإن غيروا وبدلوا كما يقول المالكية على أن المالكية ليسوا في حاجة إلى إيراد هذا في المقام لأنك قد عرفت أن الصحيح عندهم هو أن عقود غير المسلمين تكون صحيحة متى وافقت قواعد الإسلام وإن كانوا كافرين فلا خلاف بينهم وبين غيرهم على الصحيح فلنرجع إلى ما كنا فيه ]

[ وقع الخلاف بين المسلمين في حكم أهل الفترة هل يحاسبون أم لا وهم الذين لم يرسل إليهم نبي يبين لهم مراد الله وأجمل الناظم الخلاف على ثلاثة أقوال :

الأول : قول الأشعريين نسبة إلى الإمام أبي الحسن الأشعري وهو الذي بَيَّن عقائد أهل السنة والجماعة وميزها من عقائد المخالفين

واختار الأشعريون ( الذين هم أكثر أهل السنة والجماعة ) أن أهل الفترة غير محاسبين ولا مكلفين ويستوي في ذلك محسنهم ومسيئهم إذ لا سبيل للعقل إلى معرفة الحسن والقبح إذ إن معرفة ذلك لا تتم إلا عن طريق الشرع وحده دون سواه ..

- 567 - 568 - 569 - القول الثاني : هو قول المعتزلة حيث نقل عنهم أن الناس مكلفين بالعقل وحده ولو لم يأتهم رسول إذ العقل وحده قادر على اكتشاف إرادة الحاكم سبحانه وتعالى وتمييز الحسن من القبيح . وتأولوا قول الله عز وجل : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً } الإسراء ( 15 ) بأن الرسول هنا هو العقل

متن المنظومة :

والماتريديونَ جَاؤوا في الوَسَطْ ... فأوجَبُوا معرفَةَ اللهِ فَقَطْ

وما سوى ذاكَ مِنَ التكليفِ ... نَفَوْهُ عَنْهُمْ . . رحمةَ اللَّطيفِ

وليسَ حُسْنُ الفِعْلِ مارآهُ ... عَقْلٌ . . ولَكِنْ ما أرادَ اللهُ

وهكذَا فكُلُّهمْ قَدْ أَجْمَعُوا ... تكليفَ مَنْ تبلُغُهُ ويَسْمَعُ

واختلفوا في كُلِّ مَنْ لم تَتَّصِلْ ... بهم نجاةً أَوْ هلاكاً مُتَّصِلْ

- 570 - 571 - 572 - القول الثالث : وهو قول الماتريدي وهم بعض الحنفية والحنابلة من أهل السنة والجماعة خالفوا الأشاعرة في مسائل طفيفة كانت هذه واحدة منها ]

(36)

نقول :

والقول بأن الله تعالى يمتحن العباد من أهل الفترة والأصم والمعتوه في عرصات يوم القيامة فهو قول مخالف لصريح لنص القرآن وتفوح منه رائحة الوضع والعقد النفسية المريضة عند واضعيه !!

وفي قوله تعالى : { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)

... قد ذكر العلامة الألوسي رحمه الله في السياق : قال تعالى :

[ بناءً على أن الظاهر أن المراد بالوعد الذي أشاروا إليه العذاب الدنيوي الموعود كما يرشد إله ما بعد . واستشكل ما يقتضيه ظاهر الآية من أن الله تعالى لم يهمل أمة من الأمم قط بل بعث إلى كل واحدة منهم رسولاً بأن أهل الفترة ليس فيهم رسول كما يشهد له قوله سبحانه :

{ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ } [ يس : 6 ]

.. والذي عليه الأشاعرة من أهل الكلام والأصول والشافعية من الفقهاء أن أهل الفترة لا يعذبون وأطلقوا القول في ذلك ، وقد صح تعذيب جماعة من أهل الفترة (37)

... وفي تفسير القشيري رحمه الله :

[ يقال يمحو عن قلوب أهل الفترة ما كان يلوح فيها من لوامع الإرادة ، ويثبت بدلها الرجوعَ إلى ما خرجوا عنه من أحكام العادة . ..

ويقال يمحو أوضارَ الزَّلَّة عن نفوس العاصين ، وآثار العصيان عن ديوان المذيبين

( ويثبت ) يدل ذلك لَوْعَةَ النَّدم ، وإنكسار الحَسْرَةِ ، والخمودَ عن متابعة الشهوة . ] (38)

وفي تفسير حقي :

[وان أهل الفترة من العرب لا تعذيب عليهم وان غيروا أو بدلوا أو عبدوا الأصنام والأحاديث الواردة بتعذيب من ذكر أو من بدل أو غير أو عبد الأصنام مؤولة أو خرجت مخرج الزجر للحمل على الإسلام . ثم رأيت بعضهم رجح ان التكليف بوجوب الإيمان بالله تعالى وتوحيده اى بعدم عبادة الأصنام يكفى فيه وجود رسول دعا إلى ذلك وان لم يكن الرسول مرسلا لذلك الشخص بان لم يدرك زمنه حيث بلغه انه دعا الى ذلك أو أمكنه علم ذلك وان التكليف بغير ذلك من الفروع لا بد فيه من ان يكون ذلك الرسول مرسلا لذلك الشخص وقد بلغته دعوته وعلى هذا فمن يدرك زمن نبينا صلى الله عليه وسلم ولا زمن من قبله من الرسل معذب على الإشراك بالله بعبادته الأصنام لأنه على فرض ان لا تبلغه دعوة احد من الرسل السابقين الى الإيمان بالله وتوحيده ولكنه كان متمكنا من علم ذلك ] [يقول الفقير ان قلت يرد على ظاهرة الآية زمان الفترة فإنها بظاهرها ناطقة بأنه لم يهمل امة قط ولم يبعث لأهل الفترة رسول كما يشهد عليه قوله تعالى :

{ لتنذروا قوما ما انذر آباؤهم } ...

قلت مساق الآية الكريمة على ان كل امة قضى لها بالهلاك قد انذروا أولا على لسان رسول من الرسل ولم يعذب أهل الفترة لان العرب لم يرسل إليهم رسول بعد إسماعيل غير رسول الله عليهما الصلاة ] (39)

وفي قوله تعالى :

{ مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)

ذكر المفسر :

[ والواضح أنهم لا يعذرون في الشرك ، لأنهم عقلاء ، والموجدات دلائل الله يعرفونه بها ، وأغفلوا النظر فعوقبوا على الإغفال ، وبعثه الرسل منبهه ، ثم إِنى تنبعث الأخبار ، فاتضح أنه لم يخل زمان من مخبر بالتوحيد وما دونه ، لأنهم يسمعون أن ولد كذا عالماً وأن فى بلد كذا شجرة كتب فيها التوحيد ونحو ذلك ، ومع هذا لا يتم أنه بلغهم ذلك كلهم ، فالظاهر أن أهل الفترة قد لا يبلغهم الخبر ، فهم معذورون في غير التوحيد ، ولو كان مجرد لوحى قاطعاً للعذر ولو بلا سماع لزم كفر من لم يبلغه الوحي فى زمانه صلى الله عليه وسلم أيضاً فيكفر من فى المدينة حتى يجيئه الخبر من مكة وبالعكس ، وكذا سائر البلاد ، وكيف يقول الله عز وجل لأهل الفترة : { ألم يأتكم نذير } وكيف يقولون :

بلى قد جاءنا نذير فكذبنا لو قلنا ما نزَّل الله من شئ » إلخ .. ونحو ذلك .

وألزم الشرع من علم أن نبيا أرسل إلى أحد كأنه أرسل إليه ، وجاء الحديث بأن أهل الفترة فى النار ، وقال صلى الله عليه وسلم لقومه وغيرهم : « آباؤكم في النار » ولم يقيد بعدم السماع .

قال الحليمى : إذا بلغ عاقلا خبر وجب عليه التأمل فيه ، وإن أهمل أشرك ، ويبعد أن يوجد أحد لم يبلغه خبر نبى لكثرة الأنبياء وصول أزمانهم . وكثرة من آمن ، وكثرة من عاند وخالف ، فتلزمه الحجة ولو بخبر من كفر ، وزعمت الأشعرية أن لا تكليف قبل البعثة ، ولزمهم إِباحة الإشراك .

ومذهب أبى حنيفة أن من لم تبلغه الدعوة إن لم يصدق بوجود الله تعالى ووحدانيته يخلد فى النار ، لكونه عامًّا ، وجعل الرسول عاما للعقل . والآية رد على المعتزلة فى قولهم بالحسن والقبح العقليين ، وأن العقل يحكم بالوجوب والتحريم طبق حكم الله ، ولا يخالف وهو خطأ فاحش ، والعقل عاجز عن ذلك كما لا يخفى عن كل أحد ، وهو مخالف للقرآن لنص القرآن الحجة الرسل على العقلاء .]

(40)

وفي كشف الخفاء مرة أخرى :

[ وقد وقع في كلام بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى :

( ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ) ما لا يليق أخذا بظاهر ما في الصحيح المار ويمكن الجواب بأن ما في الصحيح كان أولا ثم أحياهما الله تعالى حتى آمنا به صلى الله عليه وسلم معجزة له وخصوصية لهما في نفع إيمانهما به بعد الموت على أن الصحيح عند الشافعية من الأقوال أن أهل الفترة ناجون وقد ألف كثير من العلماء في إسلامهما شكر الله سعيهم منهم الحافظ السخاوي فإنه قال في المقاصد وقد كتبت فيه جزءا والذي أراه الكف عن هذا إثباتا ونفيا وقال في الدرر أخرجه بعضهم بإسناد ضعيف وما أحسن قول حافظ الشام ابن ناصر الدين :

حبا الله النبي مزيد الفضل على فضل وكان به رؤوفا

فأحيا أمه وكذا أباه لإيمان به فضلا لطيفا

فسلم فالقديم بذا قدير وإن كان الحديث به ضعيفا

ومنهم الحافظ السيوطي فإنه ألف في ذلك مؤلفات عديدة منها مسالك الحنفا في إسلام والدي المصطفى وحاصل ما ذكره في ذلك ثلاثة مسالك المسلك

الأول :

" أنهما ماتا قبل البعثة ولا تعذيب قبلها لقوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) وقد أطبقت الأشاعرة من أهل الكلام والأصول والشافعية من الفقهاء على أن من مات ولم تبلغه الدعوة يموت ناجيا وإنه لا يقاتل حتى يدعى إلى الإسلام وإنه إذا قتل يضمن بالدية والكفارة كما نص عليه الشافعي وسائر الأصحاب بل قال بعضهم إنه يجب في قتله القصاص لكن الصحيح خلافه لأنه ليس بمسلم حقيقي وشرط القصاص المكافأة ، المسلك الثاني إنهما لم يثبت عنهما شرك بل كانا على الحنيفية دين جدهما إبراهيم عليه السلام كما كان على ذلك طائفة من العرب كزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل]

الكتاب : كشف الخفاء ج1/ 60 مصدر الكتاب : موقع يعسوب

[ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ]

ورغم هذه الشهادات نرى ابن كثير وغيره قد جانبوا الحقيقة بوصف السيد عبد المطلب بالكفر حيث يقول في البداية والنهاية :

[ ... قال الحافظ رحمه الله تعالى في الإصابة :

" في ترجمة أبي طالب في القسم الرابع من حرف الطاء من الكنى ، بعد أن أورد قصة الامتحان : ونحن نرجو أن يدخل عبد المطلب وآل بيته في جملة من يدخلها طائعا فينجو، إلا أبا طالب فإنه أدرك البعثة ولم يؤمن، وثبت أنه في ضحضاح من النار .

وذكر الحافظ عماد الدين ابن كثير رحمه الله تعالى قصة الامتحان أيضا في والدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر أهل الفترة وقال :

إن منهم من يجيب ومنهم من لا يجيب إلا أنه لم يقل إن الظن في أبوي النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيبا .

ولا شك أن الظن بهما أن يوفقهما الله تعالى حينئذ للإجابة، لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، كما رواه تمام في فوائده بسند ضعيف من حديث ابن عمر مرفوعا: " إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأمي " الحديث.

وروى الحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أبويه فقال : " ما سألتهما ربي وإني لقائم يومئذ المقام المحمود ". (41)

فهذا تلويح بأنه يرجى لهما الخير عند قيامه المقام المحمود، وذلك بأن يشفع لهما ليوفقا للطاعة عند الامتحان.

ولا شك في أنه صلى الله عليه وسلم يقال له عند قيامه في ذلك المقام: سل تعط واشفع تشفع، كما الأحاديث الصحيحة، فإذا سأل ذلك أعطيه.

وينضم إلى ذلك ما رواه أبو سعد النيسابوري في " شرف المصطفى " وعمر الملا في سيرته عن عمران بن حصين مرفوعا :

[ سألت ربي أن لا يدخل النار أحدا من أهل بيتي .

فأعطاني ذلك " وروى ابن جرير عن ابن عباس في قوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) قال: من رضا محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل أحدا من أهل بيته النار.

... و يقول السيخ الصالحي الشامي في السياق :

[ .. فهذه الأحاديث يشد بعضها بعضا، لأن الحديث الضعيف إذا كثرت طرقه أفاد ذلك قوة، كما تقرر في علم الحديث .

وروى الطبراني عن أم هانئ رضي الله تعالى عنها،

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

" ما بال أقوام يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي، وإن شفاعتي تنال حاء وحكم "

قال في النهاية: حاء وحكم: قال في النهاية: حاء وحكم: قبيلتان جافيتان من وراء رمل يبرين . انتهى . قال أبو عبيد البكري : هو رمل معروف في ديار بني سعد بن تميم .

وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن خلفة الآبي في شرح مسلم في شرح حديث: " إن أبي وأباك في النار " وأورد قول الإمام النووي فيه أي الحديث: إن من مات كافرا في النار ولا تنفعه قرابة الأقربين.

ثم قال الآبي: انظر هذا الإطلاق وقد قال السهيلي رحمه الله تعالى: ليس لنا أن نقول ذلك.

فقد قال صلى الله عليه وسلم: " لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات ] . (42)

[ فإذا انقسم أهل الفترة إلى الثلاثة أقسام فيحمل من صح تعذيبه على أهل القسم الثاني بكفرهم بما لا يعذرون به.

وأما القسم الثالث فهم أهل فترة حقيقة، وهم غير معذبين للقطع كما تقدم.

وأما القسم الأول : فقد قال صلى الله عليه وسلم في كل من قس وزيد: إنه يبعث أمة وحده .

وأما تبع ونحوه فحكمهم حكم أهل الدين الذين دخلوا فيه، ما لم يلحق أحد منهم الإسلام الناسخ لكل دين. انتهى .

ما أورده الآبي رحمه الله تعالى .

المسلك الثاني : أنهما لم يثبت عنهما شرك بل كانا على الحنيفية دين جدهما إبراهيم صلى الله عليه وسلم، كما كان زيد بن عمرو بن نفيل وأضرابه في الجاهلية.

ومال إلى هذا المسلك الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى.

وزاد أن آباءه صلى الله عليه وسلم كلهم إلى آدم كانوا على التوحيد. ]

كما قال في كتابه " أسرار التنزيل :

" ما نصه : قيل إن آزر لم يكن والد إبراهيم بل كان عمه.

واحتجوا عليه بوجوه.

منها: أن آباء الأنبياء ما كانوا كفارا.

ويدل عليه وجوه.

أحدهما : قوله تعالى : ( الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين ).

قيل معناه : أنه كان ينقل نوره من .. ظهور الأنبياء عليهم السلام إلى سلالاتهم عليهم السلام أجمعين .. (43) .

كان أسقف نجران، ويقال: إنه أول عربي خطب متوكئا على سيف أو عصا، وأول من قال في كلامه " أما بعد ".

وكان يفد على قيصر الروم، زائرا، فيكرمه ويعظمه.

وهو معدود في المعمرين، طالت حياته وأدركه النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، ورآه في عكاظ وسئل عنه بعد ذلك ، فقال: يحشر أمة وحده . انظر الأعلام 5 / 196. (44)

و في ختم الباب من مبحثنا نرجو أن يكون قد وضحنا مقاصد البحث وأهدافه والذي بدوره قد توسعنا به في مبحثنا الجديد لقراءة السيوطي رحمه الله وهي هامه بعنوان : (45)

وان كان سيل التكفير للعباد هذا شأنه !! فكيف الحال بآل النبي وخاصته في عترته وآبائه وهم كنز الله تعالى وحفظه وباب عرفانه ومناط اصطفائه وهم أمان الأمة من الغرق والتيه في أزمان التخلف .. وإحياء آل النبي صلوات الله عليهم أجمعين .. هما من عظائم الرحمات الإلهية للعباد ففيهم الشفاعة ونحن ندعو في كل ساعة نرتقب فيها الإجابة أن يحيي الله تعالى وهو المحيي كل أجدادنا آل محمد والأئمة عليه السلام في ظهور خليفته المهدي المعظم عليه السلام .. ففيهم القرب وحبل النجاة ووجه النبوة واصباحتها الإشرافية ..

.. يقول العلامة ابن البر زنجي :

[ في قوله تعالى : {مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }الإسراء15

".. و الأحاديث الواردة في الأبوين الشريفين منسوخة لقوله تعالى :

{ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } .. ومن هنا علم الجواب عن حديث مسلم الوارد في أبيه فتنبه . ثم رأيت المحقق ابن حجر في " النعمة الكبرى " قد جمع بين أحاديث الإستغفار والإحياء بأن الله تعالى منعه من ذلك حتى يعظم المنة عليه بإحيائهما وإيمانهما وتصديقهما ، فتنقلا من حال أهل الفترة ــ الذي لا يخلوا عن تفضيل ــ الى حال الإيمان الذي هو أكمل الأحوال . وبكاؤه صلى الله عليه وآله وسلم يحتمل أنه لفوات هذه المرتبة فمن الله عليه بتحصلها لهما ...

فإن قات : قد ذكرت أنه لم يذكر ذلك ــ أي القول بكفرهما وأنهما في النار ــ أحد من الأئمة الأربعة المجتهدين ، فما جوابك عن قول الإمام أبي حنيفة في " الفقه الأكبر " أنهما ماتا على الكفر وعمه أبا طالب مات كافرا .

قلت : هذا لا يغتر به ، وإن اغتر به بعض الناس ــ مع اننا نعتقدىجلالة قائله ــ فإن العصمه ليست إلا للأنبياء ــ عليهم الصلاة والسلام ــ ولق قال العلامه ابن حجر في " الفتاوى " : وما نقل عن أبي حنيفة قال ذلك ، فقد قال العلامه ابن حجر في " الفتاوى " وما نقل عن أبي حنيفة أنه قال في الفقه الأكبر " أنهما ماتا على الكفر مردود بأن النسخ المعتمدة من " الفقه الأكبر " ليس فيها شيئ من ذلك ، وبأن الموجود فيها ذلك أبي حنيفة محمد بن يوسف البخاري لا لأبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي .. فيكون قد نشأ الإشتباه من اشتراك التأليفين في الإسم واشتراك المؤافين في الكنية ، ولم

والذي نريد أن نوضحه مرة أخرى في ختم هذا الباب من المبحث القول :

بأن العرب وأهل الكتاب كانت ومن خلال أزماتها المعقدة تريد وجود مخلصا يخلصها من بقائها في حالة القيود والتسلط الوجهائي القهري ، والقائم كما قلنا في بنيته على سياسات التناحر والدموية في العلاقات الداخلية ناهيك عن سياسات المصالح الخارجية المتقاطعة مع المصالح التجارية ..

هذا إذا ما حاولنا إغفال أسوأ نموذج من الاستعباد ونظام العبيد والموالي الذين يباعون في الأسواق وبالمزاد العلني .. كان كل هؤلاء المظلومين والمقهورين يحتاجون الى انقلاب على الأوضاع الحادثة باتجاه التخلص من هكذا واقع أليم ..وهذا الأنموذج البديل كان يتطلب ثورة داخلية على كل الواقع الجاهلي .. ثورة شمولية أخلاقية وبديلة بكل المقاييس ترسي واقعا عادلا بين العرب ..

وهذا يؤكد على ضرورة وجود أنموذج الأنبياء وهو الذي لازال الحديث عنه جاريا في ثقافة العرب وأسواق الأشعار و المستضعفون العابدون المنتظرون : هم الذين يدعون الله بالفرج وخاصة أهل الكتاب الذين بنص القرآن والتوراة والإنجيل كانوا يريدون مخلصا وهو ما أصطلح عليه في التوراة والإنجيل ب " المسيح المنتظر " .. وهذه الدلالة تؤكد على ضرورة وجود الحجة البالغة والشاهدة ..ولهذا ما لبثت النبوة تنبئ بإطلالتها حتى انحاز المظلومين وكل المسحوقين إليها ها في ثورة اجتماعية لم يشهد لها التاريخ مثيلا وخاصة في الواقع العربي المتخلف ..

ثورة روحية إلهية قلبت كل الموازين الإجتماعية والطبقية المتسلطة وجعلت الفقراء " المستضعفين " هم السادة .. وهو قول القرآن الكريم :

{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ }الحج39

إنها لحظة الإنتصار يقودها قائد الثورة الإلهية النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم .. انه الحجة البالغة في زمن الهبوط والطغيان الخارجي المستبد .. والسؤال ماهي القوة القادرة على ظهور المسيح المنتظر محمد صلى الله عليه وآله ؟ وفي القرآن الدليل على بيان الحجة والنور وحامل مشروع الهداية ..

{قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }الأنعام149

وأهل الفترة حسب الإصطلاح التاريخي انما هي في نظرنا فترة المخاض لهذا الظهور النبوي المفاجئ والمرتقب .. وهو الذي يكون العلامة الفاصلة بين الحق والباطل وبين الظلام والنور .. الحجة البالغة بحق على كل العرب والبشرية جمعاء ..

{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ }القصص59

وهو الذي يمك صلوات الله وسلامه علية حالة الفرز الإيماني المطلق في وجه الطغيان الأرضي المطلق .. أقام الله تعالى به الحجة على الخلق وهم في عالم الروح يوم أشهدهم على أنفسهم بوحدانية الله تعالى ونبوة محمد صلى الله عليه وآله ..

{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ }آل عمران81

قال العلامة الصالحي :

[روى ابن أبي حاتم عن السدي (1) في الآية قال: لم يبعث الله نبيا قط من لدن نوح إلا أخذ ميثاقه ليؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم وينصره إن أدركه وخرج وهم أحياء.

وروى ابن جرير ، عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في الآية قال: لم يبعث الله نبيا، آدم فمن بعده، إلا أخذ عليه العهد في محمد صلى الله عليه وسلم: لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره بأخذ العهد على قومه.

وروى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ما بعث الله نبيا قط إلا أخذ عليه العهد: لئن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره بأخذ الميثاق على أمته إن بعث

محمد صلى الله عليه وسلم وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه.] [قال الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام تقي الدين السبكي قدس الله سره في هذه الآية من التنويه بالنبي صلى الله عليه وسلم وعظيم قدره ما لا يخفى أنه على تقدير مجيئه في زمانهم يكون مرسلا إليهم.

فتكون نبوته ورسالته عامة لجميع الخلق من زمن آدم إلى يوم القيامة وتكون الأنبياء وأممهم كلهم من أمته، ويكون قوله صلى الله عليه وسلم: " بعثت إلى الناس كافة " (2) لا يختص به الناس في زمانه إلى يوم القيامة بل يتناول من قبلهم أيضا .

وإنما أخذ المواثيق على الأنبياء ليعلموا أنه المقدم عليهم وأنه نبيهم ورسولهم .

وفي (أخذ) وهي في معنى الاستخلاف، ولذلك دخلت لام القسم في (لتؤمنن به ولتنصرنه) لطيفة أخرى، وهي كأنها البيعة التي تؤخذ للخلفاء ولعل إيمان الخلفاء أخذت من هذا، فانظر إلى هذا التعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم من ربه.

فإذا عرفت هذا فالنبي صلى الله عليه وسلم نبي الأنبياء، ولهذا أظهر ذلك في الآخرة جميع الأنبياء تحت لوائه.] .. [ولذلك أخذ الله الميثاق عليهم، فنبوته صلى الله عليه وسلم ورسالته إليهم معنى حاصل له.

وإنما أمره يتوقف على اجتماعهم معه، فتأخر الأمر راجع إلى وجودهم لا إلى اتصافه بما يقتضيه. وفرق بين توقف الفعل ] (46)

[ وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله

{ الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه } قال : إياكم ونقض هذا الميثاق ، فإن الله قد كره نقضه ، وأوعد فيه ، وقدم فيه في آي من القرآن تقدمة ، ونصيحة ، وموعظة ، وحجة . ما نعلم الله أوعد في ذنب ما أوعد في نقض هذا الميثاق . فمن أعطى عهد الله وميثاقه من ثمرة قلبه فليوف به .

وأخرج أحمد والبزار وابن حبان والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإِيمان عن أنس قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :

« ألا لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له » .] (47)

والحجة البالغة هي بيان الحق الإلهي والاعتراف بمناحي الإصطفاء والاختيار الإلهي بالنبوة المحمدية والهاشميين قبله .. ولهذا جعل العلي القدير التوجه بهذا الحق هو بوابة الإستجابة للدعوات البالغة المرجوة .. [وأخرج الديلمي في مسند الفردوس بسندٍ واهٍ عن علي قال « سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله { فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه } فقال : إن الله أهبط آدم بالهند ، وحوّاء بجدة ، وإبليس ببيسان ، والحية بأصبهان . وكان للحية قوائم كقوائم البعير ، ومكث آدم بالهند مائة سنة باكياً على خطيئته حتى بعث الله إليه جبريل وقال : يا آدم ألم أخلقك بيدي؟ ألم أنفخ فيك من روحي؟ ألم أسجد لك ملائكتي؟ ألم أزوّجك حواء أمتي؟ قال : بلى . قال : فما هذا البكاء؟ قال : وما يمنعني من البكاء وقد أخرجت من جوار الرحمن! قال : فعليك بهؤلاء الكلمات . فإن الله قابل توبتك ، وغافر ذنبك .

" قل : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد ، سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم . اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي فتب عليّ إنك أنت التوّاب الرحيم . فهؤلاء الكلمات التي تلقى آدم ] (48)

وكان أهل الكتاب يستفتحون في أعمالهم ومقاصدهم بالنبي المنتظر وحقه العظيم عند الله ويسمونه اليوم " المسيا " أو في التاريخ ب المسيح المنتظر " ..

وفيه قوله تعالى :

{وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ }البقرة89

.. وتفيد جملة الشهادات وخاصة شهادة بحيرا وسيدنا عبد المطلب وأبو طالب وخديجة وميسرة الى قيمة علية في فكر الثورة المحمدية .. كما تكشف عن حالة تعبير شعبي في العرب ، وكان يمثل الواقع العربي بكليته واقعا انتظاريا لمقدم النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله .. ولم يكن الأمر كما سنوضحه بمشيئة الله العلية أمرا سريا ، بل كان مطبوعا في الذاكرة والمجالس والأشعار أن ثمة نبي قادم ووشيك في جبال فاران بجزيرة العرب حسب نص التوراة .... وعلى أرضية هذا الوعي يمكننا تحليل الدوافع وحالات الحسد الجمعية الوجهائية لبني هاشم تحديدا من اليهود .. والذي رأوا فيهم تبديد لأملهم الزائف في أن يكون النبي القادم يهوديا .. وهكذا أصبح الصدام بين اليهود وحلفائهم من أساسه على موضوع النبوة والولاية الهاشمية .. وهو ما أدى الى ظهور حالة الحقد على البيت الهاشمي النبوي وترك آثاره التاريخية في التزييف لملامح الإصطفاء الهاشمي والذي انتهى بظهور الخوارج والتكفيريين للهاشميين وكرد فعل سلبية على حالة الظهور ويقين الظهور بالآيات الدالة والمعجزات البينة .. وهو ما دفع الخط الوجهائي النقيض لظاهرة الفقراء والمستضعفين الى خيار المكابرة والتكذيب وقد فضح القرآن الكريم خياراتهم وأمراضهم النفسية والمستوردة من اليهود الحاقدين على النبوة القادمة ..

وهو قوله تعالى : {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ }النمل14 .. وجحدوا النبوة وحق الله تعالى في الإصطفاء .

وعندما جاءت النبوة حسدوهم جميعا .. وهو قوله تعالى :

{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً }النساء54 ....

وهكذا نصل في السياق الموجز الى أسباب وبواعث الحقد والتزييف التاريخي والذي تسلل كما أشرنا الى كتب التفسير متعانقا مع جملة الإسرائيليات والتي جاءت عبر الفوضى السياسية التي أعقبت الفتنة .. لتكرس منهجا تاريخيا أزمويا معقدا ، انتهى بظهور الخط التكفيري الديني المزيف للهاشميين وتحديدا أجداد النبي الساجدين .. وكان الحكام الرجعيين في غياب الشورى وصعود الأطفال وتنصيبهم للحكم الذين بويعوا وهم بطون أمهاتهم .. يندفعون بلا دين ولا قيم وبلا أصول للتطاول على مقام النبوة وصاحب الرسالة . ولم يقف ذلك عند حدود تكفير آباء النبي صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين .. الى حالة إبادة لهم بالجملة ولعنهم على المنابر طوال أكثر من سبعين عاما كما أوردته كتب السير والتاريخ . وكانت بحق أكبر فاجعة تاريخية قد ألمت ببيت النبوة المقدسي وبحركة المطهرين من البيت النبوي عليهم السلام . وهذا هو خلفية إثارة قضية : " أهل الفترة " في التاريخ الإسلامي بما حملة من حركة تلفيق في التأويل القرآني ولولا حركة آل البيت عليهم السلام الدفاعية الشرسة والتي ووجهت بالدموية .. ومن لحقهم بالإحسان في الدفاع المشرق عن أجداد النبي صلى الله عليه وآله ولهذا لوحق العلماء وقذفوا وسجنوا ولوحقوا بتهم التكفير والتشيع العلوي و عمل المخبرين وجواسيس النظام في جهاز المخابرات الدموي في الدولة الأموية دورا قبيحا في ملاحقة الأحرار وأولياء آل محمد الطاهرين متبعين سياسات بولس في تصفية حواريي السيد المسيح بن مريم المقدسة عليهم السلام .. ولهذا نشكك كما هو اليوم في تنظيم المستعربين القديم الجديد وتجار الدم والاغتيال على أهل الحق والحقيقة ، وها هم بقايا الفكر الدموي الأموي الخارجي ينسج خيوط العنكبوت الشرية في العراق وقلب الساحة الفلسطينية المركزية ليشعل المحور الشامي الملتهب بفكر الدم والفتنة .. وكأنه حجاج جديد ..قام ويزيد جديد قادم ..والنبي عليه صلوات الله وسلامه والتاريخ لم يبق شئ إلا ذكره .. فهاهم حكومات أمريكا الصهيونية تكشف اللثام عن يهوديتها وحكوماتها الماسونية لتصبح العمالة والخيانة وجهة نظر !! وليعلن حكام فلسطين الماسون : أن هندسة مشروع أوسلوا هو شرف .. ويتباهي المتعانقين مع شارون وباراك .. ومقبلي أيادي وخدود كونداريزا رايس و اليهودية الأولى .. جولدامئيير .. التي باعت عرضها لحكام الجزيرة ..من أجل تنازلهم للوطن اليهودي الماسوني .. وحققوا هوية باعة الدين العرب بأنهم مهندسوا أوسلوا ومدريد ...

ولهذا لا نستغرب اليوم كما الأمس كيف يجند اليهود حكام العورات المكشوفة في التآمر على المجاهدين في فلسطين والجنوب اللبناني حيث يعسكر السيد الهاشمي والمشهر يد البيعة لخليفة الله القادم والرافع سيفة الى القدس وآل محمد الطاهرين ..

وبهذا نكتشف اليوم وبلا تكلف أن التاريخ لن يرجع للوراء طويلا .. وأمام فتنة السفياني الوشيكة والتي تعبئ لها أمريكا والماسونية الماشيحانية لن يكون لظهور السيد المهدي وخليفة الله الخاتم سوى القليل القليل من الوقت .. وأن هذه الفترة التي نعيشها اليوم في مخاض الظهور المقدس هي الأشبه حقا وواقعا بالفترة التي سبقت ظهور النبي الأعظم والمسيح الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم .. وأن الجماهير المسحوقة والمسجونة بالملايين في سجون اليهود والحكام عبر جدر سايكس بيكو الصهيوني والمخرجة من أرضها هم ذاتهم المنحازون لثورة النبي الأعظم في مكة وهم المستضعفون المقتولون والمغتالون اليوم بأيادي البغاة والعملاء المتسترين عبر الخمسين عاما الماضية بستار فلسطين .. فهل يا تري يكون التاريخ مسجلا لهم ولقادتهم الأحرار كما سجلوا أهل الفترة وقادتهم الساجدين الهاشميين ونعتهم بالكفر .. حقا هذا يارب ...والملعونين في الوطن المسلوب وحراس الجدار التجزيئي من شرط العسكر يقفون اليوم كما مخابرات معاوية ويزيد يشوهون آل محمد عليهم السلام .. ويكفرونهم كما كفروا بني هاشم قبل ألف وأربعمائة عام تقريبا ، إنها التبعية العمياء لكل العملاء الذين يذبحون القديسين وكل المختارين .. في زمن الفترة و : " أهل الفترة " لن يطول تزييف التاريخ أمام أراقوز أمريكا السنيورة و جنلاط !!

وأما الربانيين من آل محمد الطاهرين عليهم السلام لن يطول صمتهم كما بنادقهم وصواريخهم على قلب الغازي في الأرض المقدس ، وأن هؤلاء الذين يشوهون التاريخ المحمدي لم ولن يجدوا إلا اللعنة الأبدية وسيف خليفة الله بحق هو ماض على رقاب كل المتعاونين مع الهجمة العبرية المتسربلة بلباس الأعور الدجال .. الأعمى المتخفي في كرفتات حكام الرذيلة والمحاربين

لعمق النبوة والتاريخ : عبد المطلب وأبا طالب وكل المقاومين وحركات إسناد النبوة ..

هكذا أيها السادة : نجئ اليوم لنكتب من جديد للنبي العربي تاريخا ومقدمات ثورة ..

ان أهل الفترة الذي ظلمهم الحكام الرجعيين من بوابة التأويل المنحرف قد أسهموا في شهادة الزور وتسجيل التاريخ العربي المقلوب .. لهذا ففي انتظار الفرج عبادة وكما قال النبي العربي الممجد صلى الله عليه وآله وسلم :

[ إن من أفضل العبادة انتظار الفرج ] . (49)

وقال صلى الله عليه وآله : [ انتظار الفرج بالصبر عبادة ] (50)

وفي هذا المدخل نكون قد عرضنا رؤيتنا و مفهومنا لأهل الفترة بعيدا عن الاستغلال الديني والقرآني الفاحش والتأله على الله بقسوة حراس الهيكل الفريسيين !!

وكان لعامل الإنتظار لبيان النبي الحجة دويه في المعسكر النصراني واليهودي ، وهذا ملك الحبشة يعلن انحيازه للنبوة الخالدة تصديقا لها وكان ممجدا عند النبوة والهاشميين وهو ما جاء في شعر ابوطالب عليه السلام خلال الهجرة الى الحبشة ...

تعلم خيار الناس أن محمدا ... وزير لموسى و المسيح بن مريم

أنا نهدي مثل الذي أتيا به ... و كل بأمر الله يهدي و يعصم

و أنكم تتلونه في كتابكم ... بصدق حديث لا حديث الترجم

" و أنك ما يأتيك منا عصابة ... لفضلك ألا ارجعوا بالتكرم

فصلنا الموضوع في : كتابنا : البشارة بالنبي الأعظم في التوراة والإنجيل " تحت الطبع "

ولا يسعنا اليوم ونحن نعيش الفترة ما قبل الظهور المقدس الا الصبر و الاحتساب

فهو أعظم العبادة .. وأعظم العبادة انتظار الفرج .. فرج آل النبي محمد المطهرين وفرج خليفة الله المهدي عليه وعليهم السلام أجمعين ... وأن أعظم الأعمال هو الدعاء بالفرج وسقوط هامات الزيف والمتكبرين : قال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم : " الدعاء من أعظم العبادة

فهرس: البـــــــاب الثاني

(1) الكتاب : معجم لغة الفقهاء المؤلف : محمد قلعجي ص 339

الوفاة : معاصر : المجموعة : مصطلحات ومفردات فقهية

الطبعة : الثانية سنة الطبع : 1408 - 1988 م

الناشر : دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان

(2) : بحار الأنوار ج27 ص 798 الطبعة : الثالثة المصححة ،المؤلف : العلامة المجلسي الجزء : 27الوفاة : 1111 ، المجموعة : مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام

تحقيق : محمد الباقر البهبودي ، عبد الرحيم الرباني الشيرازي ، سنة الطبع : 1403 - 1983 م الناشر : دار إحياء التراث العربي - بيروت – لبنان

(3) الكتاب : فيض القدير شرح الجامع الصغير ج4 ص 13

المؤلف : المناوي الوفاة : 1031 المجموعة : مصادر الحديث السنية ـ القسم العام

تحقيق : تصحيح أحمد عبد السلام الطبعة : الأولى سنة الطبع : 1415 - 1994 م

الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت

(4) الكتاب : تفسير مجمع البيان : المؤلف : الشيخ الطبرسي

الجزء : 8 ص 99 ــ الوفاة : 548 المجموعة : مصادر التفسير عند الشيعة

تحقيق : تحقيق وتعليق : لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين

الطبعة : الأولى : سنة الطبع : 1415 - 1995 م

الناشر : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان

تقديم : السيد محسن الأمين العاملي / تمتاز هذه الطبعة بتحقيقات مهمة وإخراج فني عصري جيد

(5) الكتاب : حاشية الدسوقي المؤلف : الدسوقي الجزء : 1ص 5 الوفاة : 1230

المجموعة : فقه المذهب المالكي الناشر : دار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاه

ملاحظات : روجعت هذه الطبعة على النسخة الأميرية وعدة نسخ أخرى

(6) نفس المصدر : الكتاب : السيرة الحلبية ج2 ص 51

(7) الكتاب : آباء الأنبياء كلهم مؤمنون عليهم السلام

المؤلف : مركز المصطفى (ص) = السيرة الحلبية للحلبي ج 1 ص 173 :|

(8) السيرة الحلبية للحلبي ج 1 ص 173 := الكتاب : * آباء الأنبياء كلهم مؤمنون عليهم السلام : المؤلف : مركز المصطفى (ص )

(8 مكرر ) الكتاب : صحيح شرح العقيدة الطحاوية المؤلف : حسن بن علي السقاف

الوفاة : معاصر المجموعة : من مصادر العقائد عند السنيين الطبعة : الأولى

سنة الطبع : 1416 - 1995 م الناشر : دار الإمام النووي - عمان - الأردن

(9) الكتاب : الفتوحات المكية المؤلف : ابن العربي الجزء : 1 الوفاة : 638

المجموعة : فلسفة ، منطق ، عرفان الناشر : دار صادر - بيروت - لبنان

ملاحظات : دار إحياء التراث العربي

(10) هامش المصادر:

[ 1 ) تفسير البحر المحيط ج 7 ص 47 . ( 2 ) رسائل السيوطي ، هي التالية : 1 - مسالك الحنفا . 2 - الدرج المنيفة في الاباء الشريفة . 3 - المقامة السندسية في النسبة المصطفوية 40 - التعظيم والمنة في أن أبوي رسول الله ( ص ) في الجنة . 5 - السبل الجلية في الاباء العلية . 6 – نشر العلمين المنيفين . في إثبات عدم وضع حديث إحياء أبويه ( ص ) وإسلامهما على يديه ( ص ) . ( 1 )

ذكر طائفة منها العلامة المجلسي رحمه الله في البحار : ج 15 ، والسيوطي في رسائله المشار إليها ، فراجع رسالة السبل الجلية : ص 10 فما بعدها ، وراجع أيضا : السيرة الحلبية ، وغير ذلك وتاريخ الخميس ج 1 ص 234 فما بعدها . ( 2 ) مجمع البيان ج 4 ص 322 ، والبحار ج 15 ص 117 و 118 وتفسير الرازي ج 24 ص 174 والسيرة الحلبية ج 1 ص 30 ، والدر المنثور ج 5 ص 98 ، وسيرة دحلان ج 1 ص 18 وتصحيح الاعتقاد ص 67 وتاريخ الخميس ج 1 ص 234 وتفسير البحر المحيط ج 7 ص 47 . ( 3 ) راجع : المصادر المتقدمة . ( 1 ) الشعراء 218 / 219 وراجع تاريخ الخميس ج 1 ص 234 و 235 وتفسير البحر المحيط ج 7 ص 47 . ( 2 ) البقرة : 128 . ( 1 ) الزخرف : 28 . ( 2 ) إبراهيم : 35 . ( 3 ) إبراهيم : 4 . ( 4 ) التوبة ]

( 11 ) ذكر طائفة منها العلامة المجلسي رحمه الله في البحار : ج 15 ، والسيوطي في رسائله المشار إليها ، فراجع رسالة السبل الجلية : ص 10 فما بعدها ، وراجع أيضا : السيرة الحلبية ، وغير ذلك وتاريخ الخميس ج 1 ص 234 فما بعدها . ( 2 ) مجمع البيان ج 4 ص 322 ، والبحار ج 15 ص 117 و 118 وتفسير الرازي ج 24 ص 174 والسيرة الحلبية ج 1 ص 30 ، والدر المنثور ج 5 ص 98 ، وسيرة دحلان ج 1 ص 18 وتصحيح الاعتقاد ص 67 وتاريخ الخميس ج 1 ص 234 وتفسير البحر المحيط ج 7 ص 47 . ( 3 ) راجع : المصادر المتقدمة . ( 1 ) الشعراء 218 / 219 وراجع تاريخ الخميس ج 1 ص 234 و 235 وتفسير البحر المحيط ج 7 ص 47|. وهذا هو الدليل المعتمد .

( 12 ) الشعراء 218 / 219 وراجع تاريخ الخميس ج 1 ص 234 و 235 وتفسير البحر المحيط ج 7 ص 47

(13) هامش المصدر أنظر :

ــ السيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 37 ، وراجع : الدر المنثور للعاملي : ج 1 ص 160

ــ الدر المنثور للعاملي : ج 1 ص 160 وتاريخ الخميس ج 1 ص 235و236 .|

( 14 ) راجع : تفسير الميزان ج 12 ص 78 / 79

(15) نفس المصدر : الكتاب : الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص) : ج 7 ص 193

المؤلف : السيد جعفر مرتضى الجزء : 2 الوفاة : معاصر المجموعة : مصادر سيرة النبي والأئمة الطبعة : الرابعة سنة الطبع : 1415 - 1995 م

الناشر : دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان / دار السيرة - بيروت - لبنان

( 16 ) السيرة الحلبية ج 1 ص 106 ومسالك الحنفا ص 52 .

الناشر : دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان / دار السيرة - بيروت - لبنان

(17) الكتاب : الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص) : ج 7 ص 301

المؤلف : السيد جعفر مرتضى الجزء : 2 الوفاة : معاصر المجموعة : مصادر سيرة النبي والأئمة الطبعة : الرابعة سنة الطبع : 1415 - 1995 م

(18) تفسير ابن كثير ج/421 قوله تعالى " ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق (50) ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد (51)

(19) تفسير القرطبي ج4/ 227 قوله تعالى " ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم (176)

(20) تفسير ابن كثير ج3/ 224 قوله تعالى " يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا (109) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما (110) وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما (111) ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما (112)

(21) هامش : قراء روحية في كتاب مسالك الحنفا في والدي المصطفى ] منشوره على موقع : أمة الزهراء : شبكة الأبدال العالمية .. "

(22) القرطبي : الجامع لأحكام القرآن ج10/202 قوله تعالى :

" من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا (15)

(23) نفس المصدر السابق ج14/79 قوله تعالى :

" أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون (3

(24) جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج11/ 415 قوله تعالى " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد 18 = الزمخشري : الكشاف ج1/ 677)

= تفسير القرآن ج3/ 237 قوله تعالى : ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد (18

المؤلف : عبد الرزاق بن همام الصنعاني الناشر : مكتبة الرشد - الرياض

الطبعة الأولى ، 1410 تحقيق : د. مصطفى مسلم محمد وأخرج ابن عبد البر في التمهيد بسند ضعيف

(25) الكتاب : الدر المنثور ج5/ 250

الناشر : دار الفكر - بيروت ، 1993 قوله تعالى " ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا (72)

(27) هامش المصدر :

ــ راجع : أوائل المقالات ص 12 ، وتصحيح الاعتقاد ص 67 ، وتفسير الرازي ج 24 ص 173 ط دار الكتب العلمية بطهران وفي طبعة أخرى ج 4 ص 103 ،

والبحار ج 15 ص 117 ، ومجمع البيان ج 4 ص 322 ، وليراجع البداية والنهاية ج 2 ص 281 . * البحار ج 15 ص 117 . * نفس المصدر .

(28) رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم والبيهقي عن ابن عوف والحاكم والخرائطي والخطيب عن أبي هريرة

(29) الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية للمناوي ج1/50 ،71

منشورات مؤسسة الرسالة لبنان

(30) التحرير والتنويرج1/ 1671

(31) نفس المصدر : الكتاب : أدلة معتقد أبي حنيفة الأعظم في أبوي الرسول عليه الصلاة والسلام ج1/ 93 ، 108

(32) الكتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل ج 4/34

المؤلف : علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري أبو محمد

الناشر : مكتبة الخانجي – القاهرة

(33) كشف الخفاء ج1/ 160 رقم 150

تحقيق : عبد الفتاح أبو غدة ...

(34) الكتاب : عون المعبود شرح سنن أبي داود ج8/ 273

المؤلف : محمد شمس الحق العظيم آبادي أبو الطيب الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الثانية ، 1415 .. وقد ذكره السيوطي أيضا في : [الكتاب : شرح السيوطي لسنن النسائي

الناشر : مكتب المطبوعات الإسلامية – حلب ــ الطبعة الثانية ، 1406 - 1986تحقيق : عبد الفتاح أبو غدة وذكره أيضا : [الكتاب : حاشية السندي على النسائي ج4/ 29

المؤلف : نور الدين بن عبد الهادي أبو الحسن السندي

الناشر : مكتب المطبوعات الإسلامية – حلب الطبعة الثانية ، 1406 - 1986

(35) الكتاب : شرح سنن ابن ماجه ج1/113

(36) شرح المعتمد ج1/ 96

(37) الكتاب : روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ج 8/ 23 ، ج10/ 405 المؤلف : شهاب الدين محمود ابن عبدالله الحسيني الألوسي

مصدر الكتاب : موقع التفاسيرhttp://www.altafsir.com

(38) الكتاب : تفسير القشيري ج4/ 19 المؤلف : القشيري مصدر الكتاب : موقع التفاسير http://www.altafsir.com

(39) الكتاب : تفسير حقي ج5/183 المؤلف : حقي مصدر الكتاب : موقع التفاسير

http://www.altafsir.com

(40) الكتاب : تفسير اطفيش ج5/ 216 المؤلف : اطفيش - إباضي

مصدر الكتاب : موقع التفاسير http://www.altafsir.com

(41) الكتاب : الإصابة في تمييز الصحابة ج7/241 المؤلف : أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي الناشر : دار الجيل – بيروت الطبعة الأولى ، 1412

تحقيق : علي محمد البجاوي هامش المصدر : (1) أخرجه ابن عدي في الكامل 5 / 1770 وابن الجوزي في العلل المتناهية 2 / 441 وذكره الهيثمي في المجمع 7 / 219

وعزاه للطبراني في الأوسط والكبير وقال: وفيه عمرو بن وافد وهو متروك عند البخاري وغيره ورمي بالكذب وقال محمد بن المبارك: كان يتبع السلطان وكان صدوقا وبقية رجال الكبير رجال الصحيح. (2) أخرجه الطبراني في الكبير: 1 / 98 وأبو نعيم في الحلية 4 / 238.

المرجع : الكتاب : سبل الهدى والرشاد ج1/ 235 مصدر الكتاب : موقع يعسوب

[ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ] ..

(42) نفس المصدر السابق : سبل الهدى والرشاد ج1/254 =

" لا تؤذوا الأحياء .. الحديث مصدره : نفس المصدر السابق : كتاب : أدلة معتقد أبي حنيفة الأعظم في أبوي الرسول عليه الصلاة والسلام ج1/170

المؤلف : علي بن سلطان محمد القاري = الكتاب : كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ج13/ 510 رقم 37418 المؤلف : علي بن حسام الدين المتقي الهندي الناشر : مؤسسة الرسالة - بيروت 1989 م = في : الحديث : " سألت ربي أن لا يدخل النار " .

جاء ذكره في : الكتاب : فيض القدير شرح الجامع الصغير ج 4/ 77 رقم 4605

المؤلف : عبد الرءوف المناوي الناشر : المكتبة التجارية الكبرى – مصر الطبعة الأولى ، 1356

(43) هامش : قس بن ساعدة بن عمرو بن عدي بن مالك، من بني إياد: أحد حكماء العرب، ومن كبار خطبائهم، في الجاهلية

(44) نفس المصدر السابق : سبل الهدى والرشاد ج1/255 ...

(45) قراء روحية في كتاب مسالك الحنفا في والدي المصطفى صلى الله علية وآله وسلم ـ : جلال الدين السيوطي ــ للشيخ محمد حسني البيومي : مركز أمة الزهراء فلسطين

(46) الكتاب : سبل الهدى والرشاد ج1/ 90 ،91 مصدر الكتاب : موقع يعسوب [ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ]

(47) الكتاب : الدر المنثور في التأويل بالمأثور ج1/59 المؤلف : ، جلال الدين السيوطي

مصدر الكتاب : موقع التفاسير : http://www.altafsir.com

(48) نفس المصدر السابق : كتاب : الدر المنثور في التأويل بالمأثور ج1/ 94 مصدر الكتاب : موقع التفاسيرhttp://www.altafsir.com : = الكتاب : كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ج2/ 457 رقم 4237 = الكتاب : الفتوحات المكية ج7 / 275، 276المؤلف : الفتوحات المكية مصدر الكتاب : موقع الوراق http://www.alwarraq.com

المؤلف : علي بن حسام الدين المتقي الهندي : مصدر الكتاب : موقع يعسوب

الناشر : مؤسسة الرسالة - بيروت 1989 م = موضوع مهم : الكتاب : الضوء اللامع

المؤلف : السخاوي ج1/331 مصدر الكتاب : موقع الوراقhttp://www.alwarraq.com [ الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع ]

(49) تفسير الطبري ج4/49 قوله تعالى " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما (32)

= تفسير ابن كثير ج1/ 648

(50) الكتاب : الجامع لأحكام القرآن ج4/ 313 قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون (200)

الكتاب : الجامع الصحيح سنن الترمذي ج5/565 رقم 3571 الناشر : دار إحياء التراث العربي – بيروت = الكتاب : المعجم الكبير ج10/101 رقم 10088 = المؤلف : سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني الناشر : مكتبة العلوم والحكم – الموصل الطبعة الثانية ، 1404 - 1983

تحقيق : حمدي بن عبدالمجيد السلفي .

يتبع الباب الثالث من الكتاب وبالله وحده التوفيق


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق